عاش فريق الفيلم المغربي "موت للبيع" حالة من السعادة بعد أن حصل على ترحيب نقدي عالمي بالإضافة إلى عدد من الجوائز، ولعل حالة السعادة الغامرة التي انتابت الفريق كانت بسبب تأخر الاعتراف الخارجي بإبداع العمل بعد أن مر أكثر من عامين على إنتاجه. فقد توج الفيلم المغربي بالجائزة الكبرى في مهرجان الفيلم المتوسطي بمدينة تطوان حيث تم تصويره، وكان الفيلم حصل على جائزة أفضل فيلم إفريقي في مهرجان ميلانو الايطالي المخصص للسينما الإفريقية. كما فاز الفيلم بجائزة الإخراج بمهرجان الفيلم الفرنكوفوني بأنغوليم (جنوب شرق فرنسا) الذي اختتم مؤخراً. وحصل "موت للبيع" (ساعة و57 دقيقة) الذي أنتج بشكل مشترك بين المغرب وفرنسا وبلجيكا، على الجائزة مناصفة مع الفيلم الطويل "الحياة المنزلية" للمخرجة الفرنسية ساجكا. وعادت الجائزة الكبرى للمهرجان لكوميديا "الأولاد وغيوم على المائدة" للفرنسي غيوم غاليين الذي فاز أيضا بجائزة الجمهور. كما تنافست عشرة أفلام من ضمنها أيضاً الفيلم المغربي (روك القصبة) للمخرجة ليلى المراكشي في المسابقة الرسمية للأفلام الطويلة . وكرمت الدورة التي ترأست لجنة تحكيمها الممثلة الفرنسية كاثرين فروت، السينما الكيبيكية التي تشارك في المسابقة الرسمية بفيلمين طويلين، حيث يهدف مهرجان أنغوليم الذي أضحى موعداً دولياً للمهنيين المنحدرين من الدول الفرنكوفونية ،حسب منظميه، إلى إبراز المواهب الشابة. ويصور "موت للبيع" وهو عبارة عن فيلم اجتماعي جريء، كيف يرغب ثلاثة من الشباب المهمش العاطل عن العمل في اختراق الحاجز الاجتماعي ولو عن طريق الجريمة، وهم خلال ذلك، ورغم دوافعهم المختلفة للسطو على محل للمجوهرات، يختلفون أيضاً كثيراً مع بعضهم البعض إلى حد الشجار العنيف. وقد أتت النجاحات المتزامنة لفيلم "موت للبيع" لتكافئ المسار السينمائي للمخرج فوزي بنسعيدي الذي يحظى بتقدير خاص في المشهد السينمائي المغربي بسبب عمق فكره ونضج لغته السينمائية وأصالة رؤيته التعبيرية. فقد أوضح أن جائزة الإخراج التي حصل عليها في مهرجان "أنغوليم" ساعدت على تحقيق التواجد المشرف، مشيراً إلى أن قاعات فرنسية أخرى تطلب الآن عرض الفيلم. وكان المخرج فوزي بنسعيدي قد أبدى سعادته بالكتابات النقدية التي أفردتها الصفحات المتخصصة لعدد من الصحف والمواقع الفرنسية. وقد التف النقاد حول الفيلم مشيدين بإبداع المخرج، حيث رأى النقاد أن الفيلم قد أجمع بين عملية إخراجية ذكية وملهمة واستخدام رائع للمشهد الحضري ورسم مركب للحياة الاجتماعية. كما اعترف النقاد أن فيلم "موت للبيع" قام بتقديم إضافة فنية نوعية في جنس الأفلام السوداء والبوليسية. فقد كان عبارة عن رؤية خاصة بلغة وأدوات فنية راسخة تعطي روحاً جديدة لهذا النوع من الأفلام، المشتغلة على العوالم السفلى للمدن، على غرار ما قامت به السينما الآسيوية في بداية التسعينيات من القرن الماضي. كما وصف أحد النقاد "موت للبيع" بأنه "مين ستريت" مغاربي، وهو أحد أبرز أعمال المخرج مارتن سكورسيزي، منوهاً باللمسة الفنية في صنع المشهد البصري، بما يفوق أفضل أفلام الحركة الأمريكية. كما أنه توقف عند مجموعة من الأدوار الصغيرة المصاغة بدقة وعناية. وبالإضافة إلى ذلك وصف بعض النقاد الفيلم بأنه أحد أبرز نجاحات هذا الصيف في فرنسا، مشيدين على وجه الخصوص بجودة التوضيب وتألق الطاقم التمثيلي فضلاً عن الجمالية البصرية المتميزة. كما اعتبر النقاد بنسعيدي إلى جانب ليلى كيلاني في طليعة المبدعين السينمائيين الذين أنجبتهم المغرب منذ العشرية الأولى للقرن، مشيرين إلى أنها قصة "كلاسيكية" ترسم مسارات شباب مغاربة تتجاذبهم تيارات الطموح الجارف وخطر التطرف ومدارات الحب، كما أن قوة المخرج تكمن في الأسلوب والتحكم في الأدوات، بما يتيح له تشكيل بانوراما غنية متنوعة الألوان والجرعات.