تصوير: إبراهيم بركات : هنا يتوقف الزمن وتتجمد اللحظة.. هذا هو حال (عم جابر) وهذا اسم الشهرة لزميلنا (جابر أحمد شرف ظافر).. والذي تجاوز السبعين عاماً، قدم من اليمن محافظة عمران، ليستقر في جدة، ثم ليجد نفسه يصنع افضل اكواب القهوة والشاي (ويتفنن) فيهما، ويقدمها الى اكثر من (20) رئيس تحرير للصحف والمجلات في جدة عبر رحلة عمل امتدت لاكثر من نصف قرن، وكانت مؤسسة البلاد للصحافة والنشر هي محطته الأبرز والاكثر خدمة.. وبالأمس يغادر عم جابر المؤسسة، وعمله بالكامل، الى حياة التقاعد.. وفي لحظة خروجه من العمل كان لنا هذا اللقاء الذكرياتي معه، حيث دارت في ذهنه مراحل 52 عاماً كشريط سريع، روى لنا أبرز ما فيه.. فماذا قال؟ بداية العمل بدأت عملي في الصحافة منذ اكثر من نصف قرن، وكانت البداية في صحيفة عكاظ، واتذكر أن ذلك كان في عام 1383ه تقريبا حيث عملت فراشا لرئيس التحرير الاستاذ عبدالله خياط، والذي غمرني بأخلاقه وانسانيته وكرمه وعطفه، هو وبقية الاساتذة في عكاظ يومها، ومنهم الاستاذ عبدالغفور عطار مدير عام المؤسسة حينها، والاستاذ عبدالقادر شريم مدير التحرير، والاستاذ عبدالله جفري، والاستاذ علي عمر جابر، والاستاذ الكبير محمد حسن عواد والاستاذ الكبير احمد قنديل والاستاذ الكبير ضياء الدين رجب. وواصل عم جابر استرجاع الذكريات من اعماق رأسه قائلاً: وكانت فرصة ان اعمل لخدمة أولئك القامات الشامخة في الصحافة والادب والثقافة السعودية. مع الشبكشي واتذكر لي موقفا مع الاستاذ علي شبكشي وقد كان مدير عام مؤسسة عكاظ وأبرز الشخصيات التي انتشلت عكاظ من ضعفها وقادتها على اول الطريق للتطوير الذي هي فيه الآن، واتذكر ان الموقف الذي حدث عندما وقع خصام بسيط بيني وبين أحد العاملين بالمطابع، وعندها استدعاني الاستاذ شبكشي ولم يكن في البداية مقتنعاً بمبرراتي ودفاعي عن نفسي، ولكن بعد يومين اتضحت له الحقيقة، فكان ان استدعاني واعتذر مني وقبل رأسي، فهذا الموقف النبيل من شخص الاستاذ شبكشي مازال عالقاً في ذاكرتي، وهو مؤشر على دماثة خلق القائمين على الصحف السعودية سواء القدامى أو الجدد. الانتقال للبلاد ويواصل عم جابر حديثه فيقول: انتقلت من عكاظ الى البلاد، وقد كنت اعمل في عكاظ صباحاً والبلاد مساء كمتعاون لاعداد الشاي والقهوة للقيادات الادارية والصحفية، الى ان تفرغت لمؤسسة البلاد في حدود عام 1385ه وعملت للمرة الاولى في حياتي في (البلاد) مع مدير عام المؤسسة الاستاذ حسن عبدالحي قزاز، وكان مكتبه في بيت قديم شرق مقبرة امنا حواء في العمارية، وكان اول رئيس تحرير في البلاد أعمل معه هو الاستاذ عزيز ضياء وكان مكتبه في نفس البيت القديم الذي قرب مقبرة امنا حواء. عمارة باخشب بعد ذلك انتقلت مكاتب الادارة والتحرير الى عمارة باخشب في حي باب مكة، ثم جاءنا رئيس تحرير جديد هو الاستاذ عبدالمجيد شبكشي، وكما هو معروف فقد كان شخصية صارمة لكن قلبه ابيض وطيب جداً ويحب الخير للناس ويقف مع المظلومين، وقد كان مدير الشرطة في جدة، وبقي رئيس تحرير للبلاد سنوات كثيرة، وكنت أقدم له الشاي والقهوة، ويحب القهوة بدون سكر، ولكنه كان يشرب الشاي اكثر، وكان مع الاستاذ شبكشي عدد من الشخصيات الاعلامية القيادية التي قدمتها مثل الاستاذ عبدالغني قستي، وضياء الدين رجب، وعزيز ضياء، وعبدالوهاب آشي. ضيوف كبار وقال عم جابر: واتذكر ان الاستاذ عبدالمجيد شبكشي رئيس تحريرنا حينذاك كان يزوره عدد من الشخصيات بين وقت وآخر، وأنا اقدم لهم القهوة والشاي، ومن أولئك الضيوف الملك فهد، والامير عبدالله الفيصل، وعمر السقاف وزير الخارجية حينذاك، وكثيراً ما كنت اجد عبارات الشكر من الضيوف، مثل عبارة "قهوتك حلوة - يا عم جابر" وكنت أشعر انها اغلى وسام وافضل رفع لمعنوياتي واحلى من كل اموال الدنيا. المناع وهاشم واتذكر ان من الذين سعدت بالعمل عندهم الدكتور هاشم عبده هاشم الذي كان مدير تحرير جريدة البلاد في عهد الاستاذ عبدالمجيد شبكشي، وقد غمرنا الدكتور هاشم باخلاقه وفضله وعطفه، وكان هاشم ماكينة عمل لا تهدأ، وكنت ارى الدكتور هاشم وهو يعمل حتى في المطبعة وبساعات عمل كثيرة وبذل عظيم نهاراً وليلاً. ولقد عملت كذلك لخدمة الدكتور عبدالله مناع رئيس تحرير ومؤسس مجلة اقرأ وكان الدكتور المناع يجب كثيراً القهوة، وكانت (قهوته مزبوطة) ويشرب شاهي بشكل معتدل. العمل مع النهاري ثم بعد مغادرة الاستاذ عبدالمجيد شبكشي للجريدة تولى رئاسة تحريرها الدكتور عبدالعزيز النهاري، والذي سعدت كذلك بخدمته, ويمتاز الدكتور النهاري بالهدوء والادب، وكان يحب شرب القهوة والشاي بالنعناع، واذا لم يكن هناك نعناع فإنه لا يشرب الشاي.. وعملت كذلك لخدمة مساعدي النهاري وهم الاساتذة علي حسون وناصر الشهري. ومع أبو الفرج وعملت بعد ذلك مع الاستاذ غالب ابو الفرج الذي تسلم رئاسة تحرير البلاد، وكان يحب القهوة كثيرا، وكان لي عدة سنوات عمل مع الاستاذ ابو الفرج في جريدة المدينة كذلك لانني عملت في مؤسسة المدينة متعاوناً في الليل اقدم القهوة والشاي، بينما انا رسمي صباحاً في مؤسسة البلاد. رؤساء التحرير وعملت مع رؤساء تحرير كثيرين في (المدينة) وهم الاساتذة: (عثمان حافظ ثم احمد محمود وغالب ابو الفرج وعبدالله الحصين واسامة السباعي) وكذلك في خدمة عدد من رؤساء الاقسام ومنهم (عبدالعزيز شرقي ومحمد دياب ويحيى باجنيد وحسن الظاهري وعبدالعزيز صيرفي واحمد سعيد مصلح) وبعض هؤلاء انتقلوا من (المدينة) وصاروا رؤساء تحرير كما هو معروف وانا خدمتهم ايضا وهم في رئاسة التحرير بعد ذلك مثل الاستاذ دياب وباجنيد والظاهري. واتذكر كذلك عملي مع الاستاذ قينان الغامدي، وقد كان رجلاً شهماً طيباً، وقوي الشخصية، وعندما خرج من البلاد وعملوا له حفل تكريم في فندق المريديان قال انا لا أذهب إلا وعم جابر معي، وفعلاً استدعاني من البيت ورافقت ابو عبدالله فجزاه الله خيراً. لحظة المغادرة والآن أنا أغادر جريدة البلاد والمؤسسة ككل واشعر بالألم والفرح، الألم لانني أغادر بيتي الثاني الذي عشت فيه معظم سنوات عمري حوالى (52) عاماً، ومرت من امام عيني الكثير من الاجيال والشخصيات والمواقف والذكريات والآمال والطموحات والافراح والاحزان.. وسعيد لأنني اخرج وأنا قد قدمت اشياء اظنها جميلة، ومن دون ان يزعل مني أحد أو أن اتسبب في مشكلة مع اي زميل. (المحرر: رأيت وأنا أكتب ختام هذه السطور دموع عم جابر وحشرجت صدره متأثرا من فراق عمله).