لا شك في أن الحديث عن "نيلسون مانديلاً" يعني الحديث عن شخصية متعددة الأبعاد؛ ففيه الرجل الوطني الذي ضحى من أجل وطنه، وفيه الثائر على الظلم والقهر الذي مورس على شعبه ب "قوة مفرطة"، وفيه الرجل الذي تتبع "شعاع الأمل" رغم الظلمة الحالكة التي فرضها الأبارتهايد على شعبه. وفوق ذلك كله؛ فيه الرجل الذي أصبح رمزاً، للحرية والتضحية والإباء، يعتز به أعداؤه وسجانوه، إلى جانب مواطنيه ورفاق دربه ومريديه عندما كان ثائراً. لذا؛ فإننا أمام شخصية تقف في مركز دائرة العالم لينظر إلى العالم الموزع على محيطها، من نفس المسافة، وبنظرة "مشبعة" بالحب والوفاء لبني البشر قاطبة. بعيداً عن صخب النعي والعزاء الذي تشتعل به صفحات وسائل الإعلام بأقلام الكتاب والمحللين من أبناء الشعوب الثائرة و/أو المغلوبة على أمرها، بما يستحقه الرجل من الإشادة به والوفاء له، أردت قراءة النعي الذي بثته وكالات الأنباء على ألسنة زعماء الغرب الذين أشادوا بالراحل و"عددوا" مناقبه. فعندما ثار مانديلا وشعبه على نظام جنوب أفريقيا صاحب "الأبارتهايد" اصطف الغرب إلى جانب النظام ضد الشعب. وعندما "صمد" الرجل، وصمد من خلفه شعبه، تحول إلى "أيقونة" كما يصفونه الآن. فبحسب موقع ال (BBC) الذي أورد ردود الفعل من قبل زعماء العالم على وفاة مانديلا، فإنه "حتى العام 2008 لم يكن مانديلا قادراً على زيارة الولاياتالمتحدة دون ترخيص خاص من وزير الخارجية؛ فقد كان حزبه مصنفاً كمنظمة إرهابية من قبل حكومة الفصل العنصري (الأبارتهايد) في جنوب أفريقيا، واستجاب لذلك الرئيس الأمريكي الأسبق، رونالد ريغان، بإضافة مانديلا وحزبه إلى قائمة (الإرهاب!!) في الثمانينيات من القرن الماضي". والآن؛ ينعاه رئيس الولاياتالمتحدة، بقوله: ""اليوم، الولاياتالمتحدة فقدت صديقا قريبا، وجنوب أفريقيا فقدت محررا عظيما، والعالم فقد ملهما للحرية والعدل والكرامة الانسانية". أضف إلى ذلك نعي القادة البريطانيين والفرنسيين وغيرهم من داعمي نظام الفصل العنصري الذي تم القضاء عليه بفعل نضال الشعب "الجنوب إفريقي" بقيادة مانديلا. خلاصة القول: إن لنا في ذلك دروس مستقاة لمن يريد أنت يتعلم، وعِبر، لمن يعتبر؛ بأن صمود الشعب خلف قادته التاريخيين، والاستمرار في الكفاح حتى نهاية المشوار وتحقيق الأهداف الوطنية؛ يرغم الأعداء على الرضوخ لإرادة الشعب ويجعل من القادة والشعب كتلة "ملتهبة" لا يجرؤ أياً كان على المساس بها، بل "ينزع قبعته" وينحني إجلالاً وإكباراً؛ لشعبٍ ملتحمٍ مع قيادته، ولقيادة تُكبِر شعبها وتَكْبُرُ به و"تعظمه". ولأنه من حقنا أن نزهو بتاريخنا وبقادتنا، فإننا نتوجه إلى أبناء أمتنا، من المحيط إلى الخليج، إلى أن يذكروا قادتهم الذين قضوا وهم قابضون على جمر المبادئ والذين يزخر بهم تاريخنا المعاصر، في فلسطين، والعراق، والجزائر وغيرها من أقطار الأمة التي خاضت شعوبها حروباً طويلة الأمد مع مستعمِريها.