دائماً ما توصف القمعية على أساس أنها غير أخلاقية, ذلك أنها لا تراعي المبادئ الإنسانية أثناء تعاملها الشمولي مع المعطيات, لكنه يبرز وجهاً آخر, أو منظور مختلف للقمعية حينما تكون خلاقة, وتحقق الحماية والمحافظة على الإنسانية بشكل شمولي أيضاً. حين يتم التعاطي مع القمعية على أساس أنها غير مراعية للإنسانية, وعادة ما يتم ذلك من خلال التحركات والتنظيمات التي تتزعم وتزعم دفاعها عن الإنسانية وحقوقها, هذه التحركات التي تدعو إلى التعامل مع الإنسان كبشر والمحافظة على حقه الإنساني من حيث عدم التعدي على حرياته, والتعامل معه برفق ولين, ودفعه ناحية الشعور بالرضا حين ينوب عنه شخص آخر يجيد توظيف همومه وآلامه وأنسنتها قدر الإمكان, أقول حين يتم التعاطي مع هذه المبادئ بشعارات حقوقية فضفاضة ومفرغة ومرتكزة على دغدغة المشاعر , وبخاصة في المجتمعات التي لازالت تعيش في عصور الظلام والتخلف, ولازال العقل الجمعي هو مُحركها الرئيس والعامل الأهم في تغذيتها فكرياً حسب رأي وعقل صانع الأيدلوجيا, كما أنها لم تتقدم نحو التفكير الإيجابي المستقل الذي يضمن للفرد تحديد خياراته هو, دون التعرض لمؤثرات تتحكم بمصيره؛ فإن إمكانية الانحراف عن الهدف واردة وبقوة, إذ إنه قد تكون الحريات الحقوقية عوامل انفلات ودفع قوي تجاه الفوضى. في حالة المجتمعات العامية أو العامة فإن التعاطي معها بشكل قمعي شمولي قد يكون أفضل بكثير من تركها للعبثية والعشوائية غير المنظمة, لأن القمعية والصرامة تصنع رادعاً قوياً منشأه الخوف, ومهما كان الأمر سيئاً, إلا أنه يضمن لهم التعايش مع الآخر على أساس الخوف من تعميم العقاب وتخصيص الثواب, وبمقارنة كلا المعطيين في حالة المجتمعات المتخلفة؛ فإن القمعية تحافظ بشكل واضح على الأرواح والممتلكات, ذلك أنها تضع حداً للمغرقين في الجهل بسبب خوفهم من صرامة القمعية, وفي الوقت ذاته فإنها تحافظ على الآخر الأكثر حظاً في التثقف والتحضر, فهي تحافظ على المثقف من الجاهل, وعلى هذا فإنها قمعية من نوعٍ خلاق. من خلال هذا المنظور, فإنه حين التعاطي مع القضايا الإنسانية, والتحرك الحقوقي تجاه مناصرتها والوقوف إلى جوارها ومؤازرتها, يتوجب التعرف على الطبيعة المشكلة للمجتمعات ومعرفة خلفياتها الثقافية؛ حتى يتم تحقيق المفيد والصالح المتوافق مع ماهيتها.