وكما أسلفنا أن النشوز هو الخروج عن الواجبات التي أنيطت بكل من الزوجين في إطار الأسرة باعتبارها رأس المؤسسات المجتمعية.. فهي التي تمد المجتمع بأفراد صالحين قادرين على المساهمة في البناء والتنمية. والزوج والزوجة يكمل كل منهما الآخر داخل الأسرة وفي إطار المجتمع الواسع، فكل منهما عليه واجبات وله حقوق، وأن الخروج عن تلك الواجبات وعدم الوفاء بتلك الحقوق يمثل نشوزًا يجب علاجه لضمان إقامة الأسرة على المحبة والمودة والاحترام والتماسك والرحمة، وكذلك تكوين أبناء صالحين في مجتمع متماسك متراحم. وقد حرص الإسلام على حماية مؤسسة الأسرة حماية كاملة باعتبارها أهم المؤسسات في حياة الإنسان، بل هي أهم مؤسسة في التاريخ الإنساني كله، وقد احتفت العناية الإلهية بمؤسسة الأسرة لدرجة أن الله تعالى أمر بتكوينها في الجنة وقبل هبوط آدم عليه السلام إلى الأرض، ومؤسسة الأسرة هي المؤسسة الوحيدة التي أوجدها الله عز وجل قبل الهبوط إلى الأرض، أما كل ما نشاهده من مؤسسات تربوية أوعلمية أو ثقافية أو اقتصادية أو غيرها فقد وجدت بعد هبوط آدم إلى الأرض. إن كل الشرائع السماوية حرصت على إقامة علاقة الزوج مع زوجته على الاطمئنان وهو ما أطلق عليه القرآن الكريم المودة والرحمة والسكن، كما أن الزواج يقوم على الديمومة والتأبيد وهو أساس الأسرة الصالحة. لكن متغيرات عديدة تحاول العصف بهذا الزواج وبتلك الأسرة، فتعكر على الزوجين راحتهما وسعادتهما وتقضي على أواصر المودة والرحمة والمحبة وتنقلب الحياة من نعيم إلى جحيم. والحقيقة أن هناك أكثر من سبب طارئ يدخل في حياة الزوجين ليعكر عليهما صفاء حياتهما الزوجية، ويكون موضوع خلاف، وبالتالي موضوعًا لنشوز أحدهما والدخول في دوامة المشاحنات، علمًا أن النشوز هو خروج الزوجين أو أحدهما عن طبيعة وظيفته وعدم قيامه بها مدفوعًا بالكراهية والبغض للطرف الآخر، والأسوأ حين يكون هذا النشوز صادرًا من الزوج باعتباره القيم على الزوجة والأسرة، كالإهمال في أداء واجباته الزوجية، إو إهماله في رعاية أبنائه، أو في نحو ذلك مما يتعلق بشؤون الأسرة من إنفاق أو تحقيق مصالح الأسرة في مختلف المجالات وهو يكون بذلك سعى إلى تدمير حياته الزوجية والأسرية بيده بدلاً من أن يحاول رأب هذا الصدع الذي يهدد مؤسسة أسرته. نعم.. قد يكون نشوز الرجل متمثلاً في الإعراض عن الزوجة بسبب كراهية أو العزوف عن معاشرتها لأسباب نفسية أو اجتماعية أو اقتصادية أو غير ذلك، وهذا أيضًا يعتبر من الخلل الذي يصيب الأسرة ويتطلب علاجًا فوريًا لإصلاحه. ولا يعتقد الرجل أيضًا أنه إذا تعمد إساءة التعامل مع زوجته واختزال دوره في مجرد ممول لاحتياجات الأسرة وإغراقه في التعامل مع الجميع من خلال مسافات بعيدة واهماً أنه يقوم بحماية نفسه من المشاكل ومن ثم يقلل حجم احتكاكه اليومي بهم، فالحقيقة أنه يحصد عكس ما يريده تمامًا.