إذا كنا بصدد قضية واحدة من قضايا العصر المتأزمة في المجتمع العربي، وهي تلك المتمثلة في استغلال الفتيات الشبابَ وتجريد قلوبهم من حلم الحب الجميل وجيوبهم من تحويشة العمر والنصب للفوز بالشبكة والهدايا والتفنن باختلاق الحجج والمواقف وافتعال الأزمات التي تشوه العلاقة وتجعلها شبه مستحيلة، وبمشاركة الأهل يتم وضع خطة محكمة لتطفيش العريس غصبًا عنه، بحيث تتمثل في استيلاء الفتاة وأسرتها على الشبكة والهدايا التي يقدمها العريس، وانتهاز الفرص لدفعه وفق خطة مدروسة ليسارع إلى فسخ الخطوبة، لكنه مع ضمان أنه هو الذي سيبدأ بقطع العلاقة حاملاً الخيبة، وعليه بعد ذلك أن يتفرغ لتدبير مبلغ آخر من المال لشراء شبكة وهدايا جديدة لعروس أخرى. والظاهر أن أغلب هذه الأسباب لن تجد فاعلاً صريحًا لها، أما الاتهامات فحتى لو ظللت عمرك كله تفتش عن دليل يؤيدها فإنك لن تجد سوى أنها تبادلية، فالفتيات يتهمن الشباب بالتفاهة وعدم القدرة على تحمل المسؤولية وسرعة التخلي عن الشريكة، أما الشباب فيعودون ليؤكدوا أن الفتيات لا يعد يهمهن السترة والزواج وإنما البحث عن المادة بجميع الصور والأشكال حتى وإن كان ذلك يتطلب التخلي عن شريك العمر في مقابل الفوز بكل ما يملكه وتجريده من كل مِلِّيم عن طريق الاستغلال المغلف بالهناء واللعب على الأوتار الحساسة. وفي معرض الاتهام تختلف الحكايات التي يؤكد فيها بعض الشباب أن حلم العمر انتهى بكابوس، حيث إنه لم يستطع الفوز بالفتاة أو بالنقود التي اجترتها هي وأهلها منه طوال فترة الخطبة، أما الفتيات فإنهن يؤكدن أن الحصول على النقود والهدايا والشبكة لم يتم بافتعال الأزمات، أو حتى كانت لديهن النية المبيتة بالتخلص من هذا العريس بعينه، وإنما هي الظروف التي كرست الاختلافات فيما بينهما، وجعلت من هذا الزواج أمرًا مستحيلاً. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا، لماذا هنالك فتيات يلجأن إلى هذا الاستغلال والتخلي عن شراكة الأمان والاستقرار مقابل حفنة من الأموال أو حتى شبكة ذهبية ثمينة؟ لدرجة أن البعض منهن احترفنه واستطعن تجميع أكبر قدر من الشبكات والهدايا، ويعترفن بأنه "بيزنس جديد". صحيح أن هذه القضية لا ترقى إلى مستوى الظاهرة، ولا يمكن اعتبارها ظاهرة اجتماعية، لأنها غير متفشية، لكنها موجودة أيضًا ولو في نطاق ضيق. أما عن أهم الدوافع الاجتماعية المشكلة لهذا السلوك المشين فأبرزها انعدام الأمانة وهو أمر يعود في الأساس إلى سوء التنشئة الاجتماعية بداخل الأسرة، أو حتى من المعلومات والعادات التي يكتسبها الأفراد من المجتمع بشكل خاطئ بحيث تصبح هي المشكِّلة لتصرفاتهم ومناحي تفاعلاتهم الاجتماعية. من الناحية الشرعية والعرف، فإن الشبكة جزء من المهر وهدية يقدمها الخاطب لمخطوبته، وهي لا تحل لها تمام الحل والتملك إلا بإجراء العقد الشرعي، وإذا انفسخ هذا العقد فعليها أن ترد الشبكة للخاطب، وإذا كانت هناك بعض الفتيات ممن يتحايلن على الشباب بغرض الاستيلاء على الشبكة، فهذا غير جائز شرعًا طالما لم يتم العقد، وسواء قلت قيمة الشبكة أم كثرت، وكذلك بالنسبة للهدايا التي أغدق الخاطب بها على مخطوبته فلا يحل لها أن تأخذها أو تنصب عليه أو تفتعل الحجج لتفوز بهذه المغانم وهي تعلم جيدًا أنها لا تحق لها. وحتى لا يقع الشباب فريسة لمثل هذه الأهواء الدنيئة نؤكد أهمية عدم التسرع في اتخاذ قرار الزواج، فهو أمر يحتاج إلى التروي ويعتمد كلية على حسن الاختيار، وألا يقعوا فريسة للبحث عن جمال الشكل والمنظر فقط، ودراسة الشريك عن كثب واستشارة الأهل وأصحاب الخبرة، وألا يعتد الشاب بمظهر الفتاة الخادع ليقع في شباكها المنصوبة كفريسة سهلة. إنه من المفترض أن تصبح فكرة الارتباط قائمة على الرغبة الحقيقية في البدء والاستمرار وتحويل علاقة الخطبة إلى زواج رسمي، بل والبحث عن سبل نفسية واقتصادية واجتماعية لترسيخه إلى آخر العمر. ولا عزاء لعرسان الغفلة.