لا تزال كثير من الأسر ترفض التعارف بين المخطوبين وتتحرج من اتصالاتهم عبر الهواتف وما شابهها من وسائل التواصل الحديثة ك «الإنترنت» والشات وغيرها، بينما ترفض هذه الأسر رفضا تاما أي لقاءات تتم بين الفتاة والشاب خشية عدم إتمام فترة الخطوبة وتتويجها بالزواج الشرعي. وعلة رفض الأسر لهذه اللقاءات هو الخوف على سمعة أبنائهم وبناتهم إضافة لمسايرتهم للأعراف السائدة حتى وإن اختلفت الظروف والأفكار الاجتماعية مؤكدين أن ذلك من الآداب الإسلامية التي تربوا عليها. وتبقى الرؤية الشرعية هي الفيصل في مثل هذا الأمر الحساس كونها تعطي الصورة النهائية للعلاقة التي يجب أن تكون بين المخطوبين، فقد اتفق الشرعيون على أن تكون كافة اللقاءات بين المخطوبين تحت إشراف الأهل وضمن ضوابط شرعية محددة، وألا يكون هناك تفريط في التواصل بشكل أكبر. وفي المقابل يرى المختصون من نفسيين واجتماعيين وتربويين أن اللقاءات ربما تشكل مستقبلا عواقب سيئة للفتاة.. «عكاظ» طرحت الموضوع على طاولة النقاش مستطلعة آراء جميع الأطراف في سياق التحقيق التالي: البداية كانت عند الفتيات اللواتي ترفضن الزواج بشكل مباغت دون التعرف على شخصية الزوج المتقدم وأفكاره وسلوكياته حتى ولو كانت من خلال الحديث من خلال الهاتف، حيث قالت سهام أحمد «لا يمكن لي أن أوافق على الزواج من دون معرفة التفاصيل التي أريدها في زوج المستقبل الذي سأنتقل معه لحياة جديدة ومختلفة تماما عن حياتي الحالية». ووافقتها الرأي ع.ص بقولها «الدين لم يحرم النظرة الشرعية، وأعتقد أنه يجب أن يتعرف الطرفان على بعضهما بشكل أكبر من خلال الحديث الذي يحقق الهدف الأول من الجمع بين المخطوبين التآلف أو التنافر، وأعتقد أنه من باب المنطق والأولوية التعارف عن النواحي الفكرية والشخصية التي لا تتضح إلا بالمحادثات الهاتفية». وأكدت عبير أن التآلف بين الخاطب ومخطوبته لا تكون بالنظر إلى الشكليات الجمالية فقط وإنما بمكونات الشخصية والسمات الأخلاقية، وأضافت «اللقاء بين الأهل للنظر إلى الخاطب لا يظهر كل صفاتهما في دقائق معدودة ومحددة، والمفترض أن تليها اتصالات هاتفية لمعرفة المزيد بين المخطوبين لاتخاذ القرار المناسب إما بالرفض أو القبول»، وشددت زميلتها لارا مراد أنها لن تتزوج إذا لم تمنح حرية الاختيار. معارضة أنثى وعارضتهم في الرأي سلوى محمد، بقولها «نواجه الكثير من الإشكاليات في هذا الأمر تحديدا، حيث إن الكثير من الشبان يتقدمون وهم في دواخلهم لا يريدون الزواج، بل التسلية والعبث، ولكن عندما يجدون هناك محاصرة من قبل المتقدمين لهم ينفضح أمرهم»، وأضافت «أرفض تماما أن يكون هناك تواصل لساعات طوال مع الخطيب المتقدم لي دون علم أهلي، أو الخروج معه دون أن يكون هناك رابط شرعي بيننا». واعتبرت أن معظم الفتيات اللاتي يصررن دائما على التواصل مع الخطيب بسبب التعرف عليه بشكل أكبر يقعن في شر ما فكرن به. أما الشبان فكانت رؤيتهم مطابقة لروئ الفتيات حيث أكدوا على أهمية التواصل بينهم وبين من يريدون الاقتران بها للتعرف على أخلاقها وصفاتها وهو أمر لا ضير فيه لأنه يساعد على استمرار الحياة الزوجية دون أن يقدم الشاب على الزواج من فتاة لا يعرف عن صفاتها وأخلاقها شيئا. وقال بلال فروخ «أرفض رفضا تاما الزواج دون أن يكون بيني وبين من أريد الزواج بها تواصل ضمن الضوابط الشرعية للتعرف حتى أعرف بمن أقترن وبالتالي تكون ضمانة الزواج أكبر للاستمرار منه للفشل». رؤى شبابية ووافقه الرأي الشاب علي السالمي الذي أشار إلى أن الحديث يجب أن يخضع لضوابط لأن العلاقة قد تنتهي بالانفصال وبالتالي لا يقدم الشاب والفتاة على خطوة يندمان عليها طويلا . لكن عبدالله الزبيدي لا يرى مانعا إطلاقا من تواصل الفتاة هاتفيا بل والخروج معا للأماكن العامة طالما التزم كل طرف بالعادات والتقاليد ووجد الثقة التي يجب أن تمنح لهما فليس كل شاب ذئب كما يصور البعض وليست كل فتاة ساقطة أو ساذجة، مؤكدا أن تعرف الشاب على الفتاة أثناء الخطوبة يقلل من فشل الحياة الزوجية. ووقف أولياء الأمور في صف المعارضة لفكرة التواصل بين المخطوبين خلال فترة الخطبة، مبدين رفضهم التام لأي نوع من أنواع التواصل بين الشبان والشابات خلال فترة الخطبة، معللين رفضهم بالبعد عن بعض المخاطر التي ربما تؤدي لطرق خاطئة، حيث قالت إنعام الحربي «بعض الشبان لا يهدف للتقدم للخطبة سوى لإرضاء بعض الأمور التي بداخله، وأنا أرفض السماح لابنتي أن تتواصل بأي شكل كان مع خطيبها، وأحبذ أن يكون ذلك بعد إتمام العقد كما تربينا على ذلك بالطرق التقليدية المعهودة». ورفض سلطان الحكمي أن تكون ابنته عرضة لتجارب بعض الشبان الطائشين، وأيدته أم محمد قائلة: «بناتي إن شاء الله سأزوجهن بالسترة والعفاف وبعد العقد يجوز أن تتواصل مع زوجها كيفما تريد بدون حسيب أو رقيب». شماعة شبابية وعارض المرشد الأسري في مركز المودة الاجتماعي عادل الجهني أي تواصل يكون بين المخطوبين أثناء فترة الخطبة لأنه سيؤدي لعواقب وخيمة إذا ما تم الزواج، وقال «إذا ما تم العقد بينهما فإنه يحق لهما أن يتواصلا كيفما يشاءان لأنهما أصبحا بعقد زواج رسمي، مضيفا «طرق المواصلة بين المخطوبين سواء كانت عن طريق الهاتف أو الإنترنت أو الالتقاء تحتاج لضوابط تحدد بشكل دقيق»، مشددا على أن التعارف يكون بشكل أكبر بينهما بعد عقد النكاح. ولاحظ الجهني أن الفتاة إذا أخرجت كافة أسرارها وما تخبئ للخاطب الذي يعد رجلا غريبا وليس محرما لها فإنه قد يستغل ذلك للتشهير بها وإيذائها بما يراه من عيوب في حال عدم إتمام الزواج. مشيرا إلى وجود عشرات القصص التي تأتيه بسبب هذا الأمر، واستدل على ذلك بقصة فتاة تعرفت على خاطبها وبدأت تخرج معه دون حسيب أو رقيب في كل وقت، ولا تهتم لأي أمر وبعد فترة من الزمن قال لها «لا أريدك» بعد أن أفشت له كل أسرارها، فمن سيرد لهذه الفتاة كرامتها وتمنى الجهني أن تكون مثل هذه الحالات نادرة. وأشار إلى أن كثيرا من الشبان يستغلون فترة الخطبة لمآرب خاصة أو شماعة يعلقون عليها أخطاءهم والتي تدفع ثمنها الفتاة قبل الشاب. طرق شرعية لكن عضو جمعية حقوق الإنسان وعضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين سهيلة زين العابدين رأت أن التواصل بين الشاب والفتاة لا شيء فيه بل ويعتبر مفيدا شريطة أن يخضع لضوابط شرعية معارضة بذلك رأي الجهني وبعض أولياء الأمور، معللة ذلك بقولها «حتى لا تسير الأمور للأسوء وتحدث أمور لا نعرف نهايتها»، وأضافت «فترة الخطبة تكون فترة تفهم بين الزوجين ومعرفة كل منهم للآخر، ويجب أن تكون هناك طرق شرعية لذلك؛ مثلا بحضور الأهل الدائم عند التقائهم، فيتحدثون في مسائل مختلفة ستكون متواجدة في حياتهم عند الزواج، ولكن أن يخرجا مع بعضهما البعض بدون وجود الأهل ويحصل ما لا يحمد عقباه فهذا مرفوض. ولاحظت زين العابدين أن بعض الشبان يتركون الفتاة بعد التواصل معها بحجة أنه لا يثق بها، ويكون قد ارتكب إثما وهي ارتكبت إثما لعدم وجود رابط شرعي يربطهم. واعتبرت زين العابدين أن الموضوع دقيق جدا ويحتاج إلى متابعة ومراقبة خصوصا أن بعض الشبان يتقدمون للخطبة لكنهم يخفون في أنفسهم أمورا أخرى متى ما يحصلون عليها فإنهم ينسحبون بحجة عدم وجود تلاؤم وتفاهم بين الطرفين، واستدلت على ذلك بعدد من القصص التي تصلها وترويها لها عدد من الفتيات حول هذه النوعية الدنيئة من الشباب والذين دمورا حياة فتيات بحجة الزواج. احتياجات الطرفين ووقفت الإخصائية النفسية سهام عمر موقفا محايدا مطالبة بالفصل بين العرف والشرع في مثل هذا الأمر، مشيرة إلى أن وسائل المنع والقمع لن تجدي نفعا مع الجيل الحالي في هذا الزمن، وأضافت «عندما ننظر لهذه المسألة نجد أنها تزداد صعوبة مع تطور المجتمع وانفتاحية الشبان على الجنس الآخر بحيث لا نستطيع ضبط تلك الأمور الدقيقة بالفصل بين الشرع والعرف الذي ألف عليه المجتمع»، وشددت عمر على أنه ينبغي التفكير بعقلانية فالمنع والقمع لن يجدي شيئا مع التطور الهائل للتقنية والاتصالات، بحيث نقرب وجهات النظر بين الأجيال لتفادي حدوث الأزمات إذا اعتبرناها أزمة حقيقية، والنظر لاحتياجات الطرفين من خلال تفهم الآباء والأمهات للجيل الجديد والتعامل معهم بما يلائمهم دون قمع أو منع».