أتلفتُ حولي وأنا أخوض بحر الحياة العرمرم، موقنةً أن الحبَ أساسُ هذا الكون الرحيب، وروحه ونبراسه، أسمع كل يوم عن حب يولد، وأستمع عن آخر يموت، أيموت الحب فعلاً؟ أيكون كالإنسان يولد ويشب ويشيخ ثم يموت؟ تختلفُ بدايات الحب جميعها، وتختلف النهايات بشتى أنواعها، المبكية والمفرحة، ولكنه لا اختلاف في الأسس التي يقوم عليها الحب، من إخلاص واهتمام. تحدثني إحدى الفتيات عن زواج لم تستمر مدته غير شهرين فتقول: "لقد قتل الحب في نفسي قبل أن يُولد، لم أر الاهتمام أبداً ونحن في مطلع حياتنا، والذي من المفترض أن يكون الحب في أوَجه، غائب عني طوال اليوم، كان حاضراً معي أم غائباً عني، يبقى غائباً، بجسده أم بفكره، لم أجد من الإهانة ما هو أعظم من أن يُعدم الاهتمام، فلا تواصل ولا وداد، ولا خير في زواج صُورّي، يدوم نجاحه أمام الناس ويُقبر فشله في قلوبنا حتى تحترق القلوب فتموت ونموت بعدها، وأخذت تردد بعدها قول الشاعر: "وفي الناس أبدال وفي الترك راحة وفي القلب صبر للحبيب ولو جفا". حين سمعتُ قصتها قلتُ في نفسي:"أتكون قد تسرعت في اتخاذ القرار؟" ولكني أيقنت بعدها أنه لا يقتل الحب إلا حينما يُعدم الاهتمام، وأن يموت الاهتمام ممن تحب يعني أن تكون نكرة، وأن تكون نكرة مع من تحب ومع من يعني لك الحياة والأمل، يعني أنك وصلت إلى أبشع مراتب الذل والهوان، وهذا ما لا يرضاه الإنسان الكريم. يقول البعض إن الحب الحقيقي بين الشريكين يكون بلا شروط، يبقى في جميع الظروف ولا يموت مهما تكالبت عليه المواجع. ولكنني أقول: هو حبر على ورق، هو كلام من ذهب لكن لا يطبقه أحد، لا يعيش مثل ذلك الحب سوى الملائكة، أما نحن بني البشر فنحتاج إلى الحب الذي يحدوه الاهتمام، والذي يموت دونه، وإن كان الموت بطيئاً والاحتضار أليماً. غنى قديماً الفنان "طلال مداح" أغنية في غاية الروعة إذ يقول:" أحبك لو تكون حاضر.. أحبك لو تكون هاجر.. ومهما الهجر يحرقني.. راح امشي معاك للآخر.. احبك لو تحب غيري.. وتنساني وتبقى بعيد.. عشان قلبي بيتمني.. يشوفك كل لحظه سعيد"، جميلة هذه الكلمات لكنها أقرب إلى الخيال منها إلى الحقيقة، أدنى إلى الملائكية منها إلى الفطرة البشرية. وإن أردت الحقيقة الجلية فهي أن الحب يرتقي بالاهتمام ويشمخ به وقد يموت تدريجياً دونه.. فأحط من تحب بالاهتمام العظيم، فالاهتمام برهان الحب.