لم يأْتِ أَيٌّ من المعلقين، العرب والأَجانب، بشأْن زيارة باراك أوباما المنطقة، على مصالحةٍ تركيةٍ إِسرائيليةٍ قيل أن الرئيس الأَميركي مهموما بها، مسألةً مركزيةً، في محادثاتِه مع نتانياهو تحديداً. انشغلوا بما لن يُنجزَه أُوباما فيما يخص الاستيطان وحقوق الفلسطينيين، وما قد يطلقه من كلامٍ لا جِدّة فيه عن إِيران وموضوعها النووي. جاءوا على زعلٍ بين أوباما ونتانياهو، لأنَّ الأخير ناصر رومني في انتخابات الرئاسة الأميركية، وتوقعوا أَنْ تنحسرَ البرودةُ بين الرجلين لصالح الحرارة الكثيرة في العلاقات بين الولاياتالمتحدة وإِسرائيل، أَما الذي بين أََنقرة وتل أََبيب فلم يكن في بال أَحد، فكانت المفاجأة التي جاءَ مثيراً فيها أَنَّ نتانياهو هاتف أَردوغان في مطار بن غوريون، بحضور أوباما الذي كانت طائرته تهمُّ بالإقلاع به إِلى عمّان، فاستمع إِلى اعتذار نتانياهو باسم “الشعب الإسرائيلي" للشعب التركي وحكومتِه عن “أَي خطأ" قد يكون نجم عن استهدافِ سفينة “مافي مرمرة" في البحر، في الاعتداء الشهير، وقضى فيه تسعةُ ناشطين أَتراك، كانوا على السفينة المتجهة بمساعات إِغاثة إِلى قطاع غزة المحاصر. والبادي أَنَّ الحرص الأَميركي على إِنجاز الاعتذار، وعلى دفع تل أَبيب تعويضات لأهالي الضحايا والمصابين في الاعتداء، كان كبيراً، ومن شواهد تُؤكده أَنَّ مسؤولاً أَميركياً على متن طائرة أوباما كان أَول من أَشهر الاعتذار وتلبية مطالب أَنقرة، وإِعادة العلاقات بين تركيا وإِسرائيل إِلى طبيعتها قريباً، بعودة السفيرين أَولاً. وما يُقرأ في الحرص المذكور أَنَّ في وسع واشنطن أَنْ تُجبر إِسرائيل، أَكان نتانياهو أَو غيره رئيساً للحكومة، على ما ترغب وتريد، وأَنها تقيمُ وزناً خاصاً لتركيا في حساباتِها الاستراتيجية والسياسية، لا شيء منه، للأَسف، للعرب، وإِنْ توهم بعض هؤلاء أَنَّ دولهم حليفةٌ لأميركا، وأَن صداقاتهم معها وثيقةٌ و"تاريخية"، ومن دلائل وفيرةٍ على هذه البديهية أَنَّ واشنطن لا تكترث بمبادرةٍ أَعلنها العرب في قمةٍ مشهودة، ويستعدون فيها لإقامةِ علاقاتٍ طبيعيةٍ مع إِسرائيل إِذا انسحبت هذه من الأَراضي التي احتلتها في 1967، وذلك لأَن تل أبيب، في ولايات شارون ومن بعده، لم تلتفت بأَيِّ اهتمامٍ بهذه الأُطروحة التي ظنَّ أَصحابها أَنهم يضعون الدولة العبرية فيها في خانة اليك. والمستجدُّ في الأَمر أَنَّ أوباما يعلن، في القدسالمحتلة، أَنه حان الوقتُ لأن يتخذ العربُ خطواتٍ عمليةً باتجاه التطبيع مع إِسرائيل، من دون أَن يشترط فخامته على الأَخيرة مقابلاً لمطلبه هذا. لا وصفَ لتعامل واشنطن مع العرب بغير أَنه استخفافٌ، غير أَن الحال مع تركيا التي تُحسبُ في الموازين الأَميركية دولةً ديمقراطيةً، قوية ومتقدمة، مغايرٌ. ولحماية العلاقات التركية الإسرائيلية من التوتر والتدهر أَولويتها، سيما وأَنّ لها طابع تعاون عسكريٍّ، ومبكراً عرفت إسرائيل قيمة تركيا، فكانت اتفاقية التعاون في 1958، ووقعها بن غوريون وعدنان مندريس. وهذا بيريز يقولُ لصحيفة تركية، أَمس، إِن تركيا الدولة المسلمة الأولى التي اعترفت بإسرائيل، وهي علمانية وحديثة، وألف سبب وسبب لبقاء العلاقات معها على متانتها. ويمكن أَنْ نرى أَلف سببٍ وسببٍ للتقدير الخاص الذي تمحضُه واشنطن لتركيا، وإِنْ يعنينا أَنْ نحزَرها، ربما يكون الأَوْلى أَنْ نتيَّقنَ من سببٍ واحد ظاهر، لا يجعل للعرب القيمةَ التركية لدى واشنطن، فلا تحضر أَيٌّ من مطالبهم في مباحثات أوباما مع نتانياهو.