أبلغ رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون رفضه ان تقدم إسرائيل اعتذاراً رسمياً إلى تركيا على مقتل تسعة من الأتراك في الهجوم الدموي الذي نفذته البحرية الإسرائيلية قبل أكثر من عام على سفينة «مرمرة» التركية التي كانت ضمن «أسطول الحرية» المتضامن مع أهالي قطاع غزة المحاصرين، رافضاً بذلك الضغوط التي مارستها كلينتون عليه وعلى أقطاب حكومته لتقديم مثل هذا الاعتذار، بداعي أن «تسوية الخلاف بين إسرائيل وتركيا تخدم المصالح الأمنية الأميركية في المنطقة». من جانبه، رد رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان امس على الموقف الاسرائيلي بالقول انه يستحيل تحسن العلاقات الا اذا اعتذرت اسرائيل ودفعت تعويضاً عن قتل تسعة أتراك على متن سفينة متجهة الى قطاع غزة. وعملياً، تبنى نتانياهو بموقفه هذا موقف وزير خارجيته المتشدد أفيغدور ليبرمان، الذي سبق أن أعلن رفضه تقديم أي أعتذار، معتبراً ذلك مساً ب «الكرامة الوطنية» و «خنوعاً للإرهاب». كما عارض النائب الأول لرئيس الحكومة موشيه يعالون الذي أدار مفاوضات المصالحة مع تركيا، تقديم الاعتذار. ووفقاً لمصادر صحافية إسرائيلية، فإن نتانياهو أبلغ كلينتون أن إسرائيل لا تعارض أن تنشر اللجنة الأممية الخاصة التي شكّلها الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون لتقصي حقائق الاعتداء على السفينة التركية (لجنة بالمر)، تقريرَها الإثنين المقبل. ونقلت الإذاعتان الرئيسيتان في اسرائيل، ان كلينتون طلبت اول من امس بشكل مباشر من نتانياهو الاعتذار الى تركيا، الامر الذي رفضه نتانياهو. وقالت اذاعة الجيش إن نتانياهو «قال انه لا ينوي الاعتذار في هذا الوقت، وينتظر نشر تقرير الامين العام للامم المتحدة». وكانت الولاياتالمتحدة حاولت إقناع الحكومتين الإسرائيلية والتركية بالتوصل إلى صيغة تسوية تشمل اعتذاراً إسرائيلياً غير مباشر، من خلال إعلان إسرائيل أنه «إذا وقع خلل عملياتي خلال عملية السيطرة على قافلة السفن وتسبب في موت مواطنين أتراك، فإن إسرائيل تعتذر عن ذلك». في المقابل، يتعهد الأتراك بأن يؤدي هذا الإعلان الى طي الملف كله وإعادة العلاقات مع تل أبيب إلى سابق عهدها، وبأن لا يتقدموا بدعاوى قضائية ضد جنود إسرائيليين شاركوا في الهجوم. وكانت صحيفة «يديعوت أحرونوت» أفادت أمس، أن الإدارة الأميركية تمارس ضغوطاً كبيرة على إسرائيل لحملها على تقديم اعتذار رسمي وعلني لتركيا. وأضافت أن واشنطن معنية بتسوية الخلافات بين أنقرة وتل أبيب وإعادة العلاقات بينهما إلى سابق عهدها «لأن استمرار تدهور هذه العلاقات يمس بالمصالح الأميركية في الشرق الأوسط»، كما كتبت كلينتون في رسائلها المتتالية إلى الحكومة الإسرائيلية. وتابعت الصحيفة أن واشنطن معنية بتوثيق علاقاتها مع أنقرة على خلفية رغبة البلدين المشتركة في إطاحة نظام الرئيس بشار الأسد «واستبداله بنظام أكثر اعتدالاً وإعادة الاستقرار إلى سورية ومنع انهيارها»، مضيفة أن الولاياتالمتحدة تريد أن يتضمن توثيق علاقاتها مع أنقرة اعتذاراً إسرائيلياً على «أحداث مرمرة». وزادت أن كلينتون نقلت هذا الطلب مباشرة إلى وزير الدفاع الإسرائيلي ايهود باراك خلال زيارته الأخيرة للعاصمة الأميركية قبل ثلاثة أسابيع، مؤكدة له وجوب إنهاء الخلاف مع أنقرة «لأنه يمس مباشرة بالمصالح الأميركية في المنطقة». ونقلت الصحيفة عن ديبلوماسيين إسرائيليين في واشنطن قولهم إن الضغوط الأميركية على إسرائيل تضاعفت في الأيام الأخيرة، وأن واشنطن معنية بأن تعلن إسرائيل اعتذارها قبل نشر اللجنة الأممية الخاصة لتقصي حقائق الاعتداء على السفينة التركية تقريرَها الأسبوع المقبل. وأضاف الديبلوماسيون أن واشنطن لمّحت في شكل غير رسمي إلى أن عدم تقديم الاعتذار سيحول دون نجاحها في حشد معارضة دول صديقة أعضاء في الأممالمتحدة للمشروع الفلسطيني المتوقع طرحه على الهيئة الدولية الشهر المقبل للاعتراف بفلسطين دولة مستقلة. وكانت إذاعة الجيش الإسرائيلي أفادت الأسبوع الماضي أن نتانياهو تراجع في اللحظة الأخيرة، بفعل ضغط ليبرمان وتراجع شعبيته في أعقاب الحركة الاحتجاجية الاجتماعية، عن موافقته على «مسوّدة المصالحة» بين إسرائيل وتركيا. وأضافت أن مسوّدة الاتفاق التي تم التوصل إليها قبل أسبوعين بوساطة أميركية، تقضي بأن تقدم إسرائيل اعتذارها لتركيا على «أخطاء تكتيكية وقعت خلال عملية السيطرة على سفينة مرمرة»، وأنها توافق على تحويل مبالغ مالية لصندوق خاص يتم إنشاؤه لتعويض ذوي الضحايا، في مقابل تعهد تركيا بعدم مقاضاة إسرائيل أو الجنود الإسرائيليين الذين شاركوا في العملية، في المحاكم الدولية. وبرر نتانياهو تراجعه بتراجع شعبيته في شكل كبير في أعقاب اتساع الحركة الاحتجاجية الاجتماعية، معرباً عن خشيته من أن يفتح الاعتذار جبهة أخرى ضده. ويتمسك ليبرمان بموقفه المعارض تقديم اعتذار، بداعي أن ذلك يمس ب «الكرامة الإسرائيلية»، لكنه تعهد، تحت ضغوط أميركية، عدم التسبب في فرط عقد الائتلاف الحكومي في حال وافق نتانياهو على تقديم اعتذار. من جهتها، تخشى قيادة الجيش من أن عدم إغلاق الملف بمصالحة قبل صدور التقرير الأممي، يعرض الجنود الذين شاركوا في الهجوم الدموي على السفينة إلى المحاكمة الدولية، وهو ما حذر منه أيضاً المستشار القضائي للحكومة يهودا فاينشتاين.