بعد أسابيع فقط تشرع «إسرائيل» في استخراج الغاز من حقلي «تمار» و»ليفتيان» اللذين تم اكتشافهما على مسافة عشرات الكيلومترات في عمق البحر شمال غرب حيفا. احتياطات الغاز في هذين الحقلين كبيرة جداً، فهما يعدان أكبر احتياطي لغاز يكتشف في عمق البحر منذ عقد من الزمن. القيمة المالية لهذه الاكتشافات تقدر ب200 مليار دولار؛ حيث إنه يقدر أن يبلغ الاحتياطي في هذين الحقلين 1480 مليار متر مكعب من الغاز. ويتوقع على نطاق واسع أن تسهم هذه الاكتشافات في تحسين قدرات «إسرائيل» في مجال توليد الكهرباء؛ إذ يتوقع على نطاق واسع أن يتم توليد 60% من الكهرباء عبر استخدام الغاز في غضون عامين فقط، وفي غضون أقل من عشر سنوات يفترض أن يتم انتاج 90% من الكهرباء باستخدام الغاز. وستؤدي اكتشافات الغاز هذه إلى إحداث دفعة قوية لقطاع الصناعة في الكيان الصهيوني؛ إذ إنه سيؤدي إلى تحسين قدرات «إسرائيل» في هذا المجال بشكل كبير، حيث سيسهم في التخلص من الاحتكار في هذا القطاع. إن الإسهام الأبرز لاكتشافات الغاز الجديدة يتمثل،كما يراها صناع القرار في «تل أبيب»، في التعويض عن قرار مصر إلغاء صفقة بيع الغاز المصري مع العلم أن «إسرائيل» كانت توفر مليارات الدولارت سنوياً بفضل شروط هذه الصفقة المريحة جداً؛ حيث إن مصر كانت تبيع «إسرائيل» الغاز بثلث قيمته في الأسواق العالمية! من ناحية ثانية، تفترض «إسرائيل» أن الممرات المائية التي يتم نقل مصادر الطاقة عبرها إليها لن تكون آمنة، في ظل التحولات التي شهدها العالم العربي مؤخراً، علاوة على أن صناع القرار في «تل أبيب» ينطلقون من قناعة مفادها أن إغلاق المعابر المائية المهمة بالنسبة ل»إسرائيل»، سيكون أحد الإجراءات العقابية التي سيلجأ إليها العرب كرد على ما يعتبرونه سلوكاً إسرائيلياً عَدائياً ضدهم. ويرون في «تل أبيب» أن هذا التوقع معقول؛ على اعتبار أنه قد ينجم كأحد مظاهر التحول في السلوك العربي تجاه «إسرائيل» في أعقاب ثورات «الربيع العربي». من هنا، فقد كانت «إسرائيل» معنية بشكل ملح بالاعتماد على مصادر طاقة ذاتية تقلص الحاجة إلى استخدام الممرات المائية في مرحلة ما بعد الثورات العربية. وترى دوائر التقدير الاستراتيجي في «تل أبيب» أن دخول «إسرائيل» نادي الدول المصدرة للغاز، سيجعلها قادرة على إقامة شراكات استراتيجية مع قوى عالمية مؤثرة. وحسب هذا المنطق، فإن إرساء دعائم هذه الشراكة سيجعل «إسرائيل» قوة إقليمية مؤثرة، وسيجعل الكثير من الدول تقبل على إقامة علاقات معها؛ مما يقلص من مظاهر عزلتها الإقليمية. ومن نافلة القول أن العوائد المالية الناجمة عن اكتشافات الغاز ستسمح ل»إسرائيل» بزيادة نفقاتها الأمنية في أعقاب ثورات «الربيع العربي»، مع العلم أن التقديرات الأولية تشير إلى أن «إسرائيل» ستحتاج إلى عشرات المليارات من الدولارات لإعادة بناء قوتها العسكرية؛ من أجل مواجهة التحديات الناجمة عن هذه الثورات.