تجنباً لتعريض النفس للهوان والمذلة، يغرس الإسلام في نفس المسلم كراهة السؤال للناس في أسلوب تربوي بديع على عزة النفس وعلو الهمة والترفع عن الدنايا، ولا ينبعي للمسلم أن يلجأ للسؤال إلا لحاجة تقهره على ذلك، فالعمل هو أساس الكسب، والمسلم عليه أن يمشي في مناكب الأرض ويبتغي من فضل الله ورزقه. وما يفعله المتسولون عند إشارات المرور وفي الطرق لا يتسق تماماً مع هذه القيم والمبادئ الجليلة ولا يتناسق مع الأنظمة والأعراف السوية، حيث أخذت ظاهرة التسول في الانتشار بشكل كبير في مدننا الرئيسية وباتت تسبب أرقاً على سكان المملكة في ظل ضعف واضح لدور مكافحة التسول، وهذا يجعلنا نتساءل بحرقة.. لماذا هذا المشهد غير الحضاري؟ ولماذا هذا الموقف السلبي من الجهات المعنية حيال هذا الأمر؟ أولئك المتسولون يتخذون وسائل عدة لاستدرار جيوب المواطنين والمقيمين عبر مشاهد تتكرر كل يوم، حيث يتفننون في العزف على أوتار عواطفهم من خلال ارتداء الملابس البالية وإظهار المعاناة من عاهة جسدية، وآخرون يتفنون في اصطناع الحيل إما بمصاريف العلاج الوهمية والفواتير المزيفة أو بادعاء العجز.. بل ويتجرأون باستغلال المواسم الدينية لممارسة حيلهم على المواطنين والمقيمين والوافدين من زوار بيت الله الحرام والمسجد النبوي الشريف، فأي إزعاج وتشويه أكثر من هذا؟ نفس الوجوه تراها يومياً أمام الإشارات وداخل المحطات وعند المدارس والمحلات التجارية، متسولون من النساء والأطفال تشاهدهم على مدار اليوم، في الصباح وفي المساء.. لا تعلم متى يبدأ دوامهم ومتى ينتهي، ولعدم وجود حملات أو أي جهد مبذول لإيقاف ممارساتهم فهم لا يخافون من مكافحة التسول وتجدهم يسرحون ويمرحون بكل يسر وطمأنينة.. بل إن منهم من يغيب في رحلة انتداب عمل إلى أماكن أخرى لتدريب الغير وجمع أموال إضافية ثم يعود سالماً مطمئناً إلى دياره مرة أخرى. والحقيقة أن بعض المواطنين والمقيمين يشاركون في تفاقم هذه الظاهرة من خلال طيبتهم الزائدة حيث يستجيبون لمطالب المتسولين ويمنحونهم ما يريدون، مما جعل عددهم أكثر من عدد أسراب الجراد في الصحراء، ولو لم يجدوا تشجيعاً بالاستجابة لهم لما استمروا بهذه المهنة التي تدر عليهم دخلاً لا يستهان به، برغم أن أبواب الخير والأجر كثيرة وبإمكان الراغبين في البذل والعطاء إيصال صدقاتهم للمحتاجين بشكل سليم عبر الجمعيات الخيرية المعروفة والمسجلة في الجهات الرسمية. حتى وإن اتهمنا مخالفي الإقامة النظامية بممارسة التسول، فإن هذا التشويه الحضاري لا يجير لأوطانهم وإنما لنا في بلادنا، ومن يزور بلادنا لأول مرة ويرى هذا المشهد غير الحضاري ربما ينقل صورة مغلوطة فتتأثر سمعة بلادنا التي تعتمد مليارات الريالات لدعم برامج الخدمة الاجتماعية.. نقول هذا ونحن نلحظ أن عدد المتسولين يتكاثر سنوياً ولا ينقص، مما يعني وجود خلل يستدعي البحث عن الطريقة المناسبة لعلاج هذه الظاهرة المخيفة، ولا بد إذن ان تعمل مكافحة التسول والجهات الأمنية ذات العلاقة على تعزيز الإمكانيات وبذل الجهد اللازم لوقف هذه الظاهرة السيئة واتخاذ حلول جذرية لمعالجة هذا السلوك الذي يخدش الذوق العام ويصور بلادنا وشعبها صورة لا تعبر عن الحقيقة أبداً. كاتب وباحث أكاديمي