في كل موسم حج، تصطدم الخدمات والجهود العظيمة التي تبذلها حكومة خادم الحرمين الشريفين لخدمة ضيوف الرحمن بما يعرف بالحجاج "غير النظاميين" الذين يؤدون فريضة الحج من دون أي ترتيبات إسكان وإعاشة ونقل، ويمثل "الافتراش" أبرز المشاكل الناتجة من هذه المعضلة السنوية التي تسيء لنظام الحج وتعكر صفوه. وفي هذه السنة زادت حالات الافتراش نتيجة لزيادة الحجاج المخالفين عن الأعوام الماضية، وفي تحريات صحفية ومتابعات إعلامية، تم رصد حالات كثيرة في أماكن مختلفة لحالات تهريب وتسلل حجاج بدون تصاريح وهم يسلكون طرقاً متعددة، وعند دخولهم المشاعر يكملون مناسكهم غير مبالين بافتراشهم ومزاحمتهم للبقية. ووفقاً للبيانات الرسمية، فقد حج في هذا العام أكثر من مليون شخص من غير تصريح، ومثل هذا العدد الكبير كفيل بإحداث الفوضى وإرباك النظام، ويجعل من مهمة إدارة الحجيج وتفويجهم مهمة صعبة. ولم يقتصر الأمر على الافتراش وحده، بل وامتد إلى قيام عدد كبير منهم بالتزاحم والتدافع دون تذاكر أمام قطار المشاعر، واقتحامهم بوابات القطار مع إصرارهم على الركوب معتمدين على نظام الهمجية والعنف، ليضطر المسؤولون في المحطة إلى تحميل القطار فوق طاقته الاستيعابية، مما أثر ذلك سلبياً على خدمة الحجاج النظاميين، وبالأخص حجاج الداخل، الذين تأخرت رحلاتهم المجدولة والمدفوعة سلفاً، ولولا لطف الله لحدثت كارثة إنسانية لا تحمد عقباها، تسيء لسمعة بلادنا العزيزة وتنسف كل الجهود العظيمة المبذولة. نحن في الواقع ندفع ثمن عدم اكتراث المواطنين والمقيمين بالنظام لعدم وجود عقوبات واضحة وصارمة تطبق على من يدخل المشاعر المقدسة من غير تصريح نظامي، ولقد حان الوقت لتطوير أدوات المراقبة لضبط الحجاج غير النظاميين والحد من تجاوزاتهم، فليس هناك مجال للعاطفة والتسامح عندما يتعلق الأمر بسلامة الحج والحجيح، ولا بد أن تفرض الجهات المعنية عقوبات صريحة وقطعية ضد كل حاج مخالف ابتداءً من السنة القادمة وتوعية المواطنين والمقيمين بنوعية تلك العقوبات وأنها ستطبق عليهم لا محالة، بلا تفريق أو تمييز، وغير قابلة للتراجع، حتى لا يتجرأ شخص واحد على الاقتراب من الحج بدون تصريح، فليس من الحكمة أن يشوه مثل هؤلاء المخالفين جمال اللوحة التي يرسمها للحج سنوياً قادة وأبناء هذا الوطن الغالي. ومن العدل أيضاً أن نطالب الجهات المعنية بتنظيم الحج بضرورة مراجعة أسعار حملات الحج النظامية في العام القادم وجعلها في متناول الجميع، فمن المؤكد أن أحد أهم أسباب لجوء المخالفين لأداء الفريضة بدون ترخيص حج نظامي هو المغالاة غير المبررة في أسعار حملات الحج النظامية التي تفوق إمكاناتهم المادية، ونرجو أن تختفي هذه الظاهرة التي بلغت ذروتها هذا العام فمثل ذلك قد يؤصل للطبقية بين عباد الله، بينما الحج يمثل المساواة بكل ما تحمله الكلمة من معاني حيث لا فرق فيه بين الغني والفقير، ولم نقرأ خبراً أو عرفنا يوماً أن الحج يكون ميسراً للأغنياء وصعباً على غيرهم. كاتب وباحث أكاديمي