كان ذلك الصباح جميلا والرياض يداعب سماءها ذلك الضباب الجميل المخلوط بذلك الغمام الذي اخذ يتساقط منه رذاذ رائع كانت الرياض مدينة مدهشة عندما تراها من خلف الغمام احسست بشيء في داخلي يعتصرني ويهزني. وجيش من الاسئلة اخذت تنثال على رأسي.هل حقا هذه هي الرياض العاصمة العربية الشامخة؟ .. انها صورة زمردية اللون اراها من مكاني هنا.. لا صحراء تسفو كثبانها على خيامها.. الطائرة تقترب اكثر من الارض هذه الشوارع الفسيحة وهذا التشجير الرائع.. آه.. قلت في نفسي كم نحن العرب في غربة من بعضنا البعض. كانت حكايات وحكايات عجيبة نسمعها في بلاد الاغتراب عن هذه الارض.. قررت ان اصمت ألقيت نظرة على من يشاركني المقعد الآخر كان رجلا ضخم الجثة لعله مثلي استيقظ على الحقيقة الرائعة التي غابت عنا كثيرا الذي راح يقول مستطرداً . المطار اصابني بالدهشة ادركت جهلي وانا الذي غربت وشرقت في بلاد الله واعرف ادق التفاصيل عن شوارع نيويورك ولوزان وبكين ونيروبي ولا اعرف هذه الارض النابت مع عرارها غصون الكرامة والعزة , ادهشني المطار بمبانيه وحدائقه ونوافيره وصالاته واصبحت اسير الدهشة وانا اقطع المسافة من المطار الى الفندق عبر شبكة من الطرق والكباري التي تضاهي اكبر مدن العالم تنظيماً ودقة وجمالا كنت القي نظري يمنة ويسرة على الاشجار.. الحدائق العمارات الشاهقة.. بالفعل شعرت بالفرح وبالحزن.. الفرح بما ارى عليه هذه البلاد العزيزة علينا بهذه الصورة التي لم نكن نتخيلها نحن الذين سرقتنا الغربة وطوحنا الاغتراب والحزن لأن معرفتي هذه اتت متأخرة جدا.. وفي ذلك اليوم الرائد العظيم وانا ادخل الى مهرجان الجنادرية.. ادركت وانا ارى ذلك الماضي الذي كانت عليه هذه البلاد وما رأيته خارج الجنادرية اتضحت فوارق الصورة ولا اكتمك اني بكيت.. نعم بكيت.. لا تستغرب ولا تتساءل لماذا يبكي الانسان.. ان الدمع احيانا هو التعبير الصحيح عن الفرحة التي لا تعرف كيف تصفها.. ان الذين يعتقدون ان البكاء هو تعبير عن الحزن هم واهمون بل كثيرا ما يكون الضحك هو التعبير الصحيح عن مآسي الانسان.. لا علينا لا تدخلني في حوار من نوع اخر معك.. دعني اسرد عليك ما احس به وما اعاني منه، لقد شعرت بأنكم تلومونني وامثالي بأننا لا نعرف شيئاً عنكم.. معك حق.. لكن ألا تعتقد اننا شركاء في هذه القطيعة.. ان الذي فكر ورعى هذا المهرجان يملك رؤية ثاقبة ليضعنا جميعا في هذه الحقيقة. ويخرجنا من مآزق الاغتراب قد لا تشعر انت ولا غيرك من ابناء هذه البلاد بالمسافة الزمنية التي قطعتها بلادكم لا نشعر بها. لقد سرقتموني بحبكم اولا وبكرمكم في كل حين. كنت اتابعه في صمت.. تركته يسترسل في حديثه حتى خيل لي في لحظات كثيرة انه يحدث نفسه.. كانت تعابير وجهه وحركات يديه تسبق شفتيه وصفحة مياه البحر في ابحر ساكنة كأنها تصغي إليه هي الأخرى لانفعاله الذي تملكه. فجأة صمت وران علينا ذلك الصمت الثقيل كأنني ذهبت بعيداً الى ذلك اليوم عندما التقيته لاول مرة في الرياض قبل سنوات قاربت العشرين عاما او تزيد.. كان انسانا قادماً من المغرب العربي الذي كنا نطلق عليه "المغرب الجواني" كان رجلاً وقوراً وكان مبهوراً "بالرياض" وربما كان يجري في اروقة الجنادرية عندما قطع ذلك الصمت قائلا آتيك هذه المرة وأنا كلي شوق لهذه الارض. لاحشو وجداني من هوائها الذي قد لا يعرف الكثيرون منكم قيمته انني آتي الى هنا لأداء فريضة الحج هذه الفريضة التي يحلم بأدائها الكثيرون في بلادي انهم ينظرون الى من يتشرف بهذه الرحلة نظرة كلها إجلال أليس هو ضيف الرحمن؟ هكذا يقولون ويؤمنون. قلت بكل تأكيد هو كذلك وله من الاحترام أكبره هنا , فهذه المشاريع التي تقام وتنفذ دليل قوي على مدى ذلك الاهتمام بالحاج وبراحته. راح يعبث بإصبعه في صفحة البحر الممتد أمامنا وهو يقول لنفسه: إن الله كريم وكان معي أكبر كرماً بأن كتبني هذا العام أن أكون من ضيوفه آخر الكلام الحجاج وفد الله.. فأكرموا وفد الله.