سوق حلب القديمة هي في الحقيقة مجموعة أسواق أقيم بعضها قبل 2300 سنة خلت. وكان الشاعر أبو الطيب المتنبي يتسوق فيها، وقد بني جانب هام من هذه الأسواق في القرن الرابع قبل الميلاد. وقد ساهمت الدول والحضارات التي تعاقبت على سوريا منذ العصور الغابرة إلى اليوم في إثراء الأسواق والبنايات التي من حولها وجعلها جزءا من التراث العالمي سجل على قائمة منظمة اليونسكو عام 1986 من القرن الماضي. ولسوق حلب القديمة دور اقتصادي واجتماعي أساسي يتجاوز بكثير حدود سكان مدينة حلب. هذا ما أكده المهندس المعماري السوري منار حماض أحد أبناء هذه المدينة الذي يعتبر أن سوق حلب له دور رئيسي في التجارة في المناطق المجاورة لحلب، حيث يأتي السكان من الأرياف المحيطة بها للتسوق والتبضع. ونسمع في حلب الناس يتكلمون لغات ولهجات كثيرة مثل التركية والكردية والإيرانية، إضافة إلى اللغة الأساسية العربية. فالسوق الحلبية ليست فقط للمدينة بل لكل المناطق المحيطة بها، حيث أصبحت حلب اليوم تشبه ولاية حلب القديمة في العهد العثماني التي كانت تمتد إلى مناطق مرعس وحرّان والروغة. واليوم أصبحت هذه المدن تابعة لدول أخرى مثل تركيا. والسؤال يطرح كيف تعاملت منظمة اليونسكو مع الحرائق التي شبت في الأيام الأخيرة في سوق حلب القديمة؟ دعت مديرة منظمة اليونسكو العامة الأطراف المتنازعة في المدينة وفي مدن ومناطق سورية أخرى تزخر بالممتلكات الثقافية الأثرية لاحترام بنود اتفاقية لاهاي الدولية حول الممتلكات الثقافية خلال النزاعات المسلحة. وقد صادقت سوريا على هذه المعاهدة التي أبرمت عام 1954. وقررت منظمة اليونسكو إيفاد مجموعة من الخبراء إلى مدينة حلب لتحديد الأماكن التي أتلفت أو دمرت وتلك التي يمكن ترميمها. والحقيقة أن دور منظمة اليونسكو للحفاظ على المواقع الأثرية السورية الستة المسجلة على قائمة التراث العالمي يتجاوز هذا الحد كما شرح ذلك كريم الهنديلي أحد خبراء المنظمة في مجال الحفاظ على التراث العالمي، حيث قامت اليونسكو منذ البداية بالاتصال بالدول المجاورة لسوريا لطلب تعزيز المراقبة عند الحدود لمكافحة التجارة غير المشروعة. في النزاعات المسلحة، يضيف كريم الهنديلي، تتعرض المواقع الأثرية الثقافية لتهديد كبير جداً يتمثل ليس فقط بإلحاق ضرر مباشر بالمواقع أو المباني، بل أيضاً بسرقة القطع الأثرية. وتقف منظمات أخرى غير اليونسكو مثل الإنتربول والمنظمة الدولية للجمارك إلى جانب اليونسكو لمعالجة هذه الأزمة. ولدى منظمة اليونسكو اليوم قناعة مفادها أن الحفاظ على التراث السوري اليوم هو مسؤولية السوريين والمنظمات الأهلية والدولية وبلدان الجوار وكل شخص، لأن التراث الأثري السوري هو تراث الإنسانية برمتها، كما يقول كريم الهنديلي، الذي يعتبر أنه تراث مشترك وحق للإنسانية جمعاء.