بدا عنوان منتدى الاعلام العربي الحادي عشر في دبي (8-9 مايو 2012) متسقا مع الاحداث في العالم العربي، فقد اوضحت السيدة مريم بن فهد، المديرة التنفيذية لنادي دبي للصحافة، في تقديمها "لقد دفعت الاحداث الاعلام دفعا الى كشف الحقائق، بما في ذلك حقائق كثير من مؤسسات الاعلام ووسائله. على مدى يومين من الجلسات والنقاشات بُحثت مختلف جوانب العمل الاعلامي العربي، لكن سادت نقطتان رئيسيتان: الاولى، أين يقف الاعلام العربي من الاحداث التي تعصف ببعض الدول العربية، هل هو اعلام موضوعي محايد ينقل الاحداث بأمانة ومهنية ويترك للمتلقي من جمهوره، وبخاصة جمهور الفضائيات، اتخاذ الموقف الذي يراه؟ أم هو إعلام مواقف، يسترشد بمن يراه جمهور الاغلبية، فيتبنى رؤية من يُعد على حق بينما يُعد الطرف الثاني على باطل، يقف مع من يُعد ضحية ضد من يعد جلادا؟ فالاعلام، كما وصفه أحد المشاركين "موقف، موقف مع الحق ضد الباطل"، لكن مع الالتزام بمعايير المهنية. والنقطة الثانية، هي ما مدى مسؤولية الاعلام العربي عما جرى ويجري في العالم العربي، هل أدى الإعلام دوره في نقل الحقائق بأمانة ومهنية وترك للناس ان يبنوا قناعاتهم على اساس ما تلقوه من معلومات دقيقة عمادها الموضوعية والحياد، أم أن دوره كان تحريضيا، فروّج لطرف ودان آخر، وبالتالي صار مسؤولا مسؤولية تاريخية عما جرى ويجري، لا بل بات عليه أن يعثر على حلول للأزمات التي تسبب فيها. الحياد في الإعلام وعلى مدى سنوات تبنت مؤسسات إعلامية كثيرة، و"العربية" منها، تلك المعايير ووضعتها في أنظمتها المنشورة. لكن الأحداث العاصفة في المنطقة كشفت، ومن هنا عنوان المنتدى، عن تحول واضح في أساليب عمل كثير من المؤسسات الإعلامية، ففي جلسة عنوانها "القنوات الاخبارية والثورات العربية: أسئلة حول التغطية والأداء"، اسهمتُ فيها، تعرضت بي بي سي العربية للانتقاد بالذات لأنها محايدة لا تتبنى موقفا من هذا الطرف أو ذاك! لا بل ذهب مساهمون في الجلسة إلى نفي أي حياد في الإعلام. لكن كيف يمكن الوثوق بصحة معلومات تصدر عن إعلامي أو مؤسسة إعلامية تقول صراحة إنها ليست محايدة؟ ألا يؤثر عدم الحياد المعلن على دقة المعلومات وسبل التعامل معها من جهة وعلى مدى قبول الجمهور بها من جهة أخرى؟ وكيف يمكن الالتزام بالمعايير المهنية بينما يُنقض أحد أهم اعمدتها، الحياد؟ وكيف يمكن القول بالموضوعية مع إنكار الحياد؟ ألا يخشى، مع ضياع الحياد، من وضع صياغة خبرية تخدم طرفا دون آخر، ألا يخشى من ترتيب الاخبار وفق عدم الحياد هذا، ألا يخشى من اهمال خبر بسبب عدم الحياد؟ المقلق أن إعلاميين وحتى أساتذة في الإعلام، شاركوا في المنتدى، رفضوا فكرة الحياد واعتبروها نقيصة في زمن مضطرب لا بد أن يأخذ الإعلامي فيه موقفا مما يجري كما يرون. لكن هل يقف الإعلامي مثلا مع جهة يدين لها بالولاء وقد دانتها منظمات حقوقية وإنسانية دولية؟ هل يغمض عينيه عن حقائق لأنها لا تتفق مع موقفه؟ وكان لافتا في المؤتمر أن مقدمي برامج ومذيعين قالوا صراحة إنهم ليسوا بقادرين على وضع آرائهم الخاصة جانبا واتباع نهج محايد في عملهم. وقال البعض إن المزاج العام لدى الجمهور لا يحتمل الحياد، وإن الجميع يريدون أن يستمعوا وأن يشاهدوا، ما يرضي قناعاتهم ولن يلتفتوا إلى أي طرف محايد، وانهم ينفضون عن أي فضائية محايدة. أرى أن الجمهور أذكى من أن ينقاد إلى إعلام غير محايد، فلا تجوز الاستهانة به وبقدرته على التمييز بين ما تبثه عشرات الفضائيات الاخبارية من بين أكثر من خمسمئة فضائية عربية.