إن اختلاف التوجه الفكري بين الجيلين والمقصود هُنا هو اختلاف جوهري وعميق في الرؤى والقناعات والتوجهات وهي تختلف لأن هناك عدة أيديولوجيات فكرية داخل المجتمع ,ولوكان ذلك بشكل جزئي أومبطن غير أنهُ في آخر المطاف يشكل ملامح أجيال متنوعة. فإن الصراع القائم في المجتمع يمر بمرحلة انتقالية صعبة من طور القيود وتلقي الأوامر والتعليمات إلى طور الحريات والقدرة على التعبير,فلقد تشكلت لدى الشباب أفكاراً واتجاهات بسبب التطور السريع واتساع الأفق لديهم في العلم والمعرفة والحداثة . أن تغيب الحوار كثيراً في ذلك أدى إلى وجود الصراع وهو صراع أزلي ليس وليد اليوم , ولكنه تفاقم أمره وبقي الاختلاف في رأي المجتمع هٌنا هل ذلك الاختلاف الفكري صراع أم غياب للحوار....! يقول غاندي (الاختلاف في الرأي ينبغي ألا يؤدي إلى العداء إلا لوكنت أنا وزوجتي من ألد الأعداء) إن هذا الاختلاف الفكري هوبسبب غياب الحوار الحقيقي الفعّال بين الجيلين ومعرفة آراء كل منهم وتبادل وجهات النظر ,ولكن عندما تلقى الأوامر على الجيل الجديد ومخالفتهم لها ليس رفضهم تماماً لهذه الأوامر وإنما أنها تفقدهم استقلالهم الفكري والاجتماعي في المجتمع ,وتخفي دورهم ونشاطهم ويظلون متبعين دائماً لايخرجون إلى طور التجديد,إنما يبقون في حلقة مقدسة للماضي والتراث وخروجهم عنها عصيان وتمرد على قوانين موروثة ,واعتقادهم أنهم لايهتمون بالتراث والعادات والتقاليد ويريدون فقط الاهتمام بلبس رداء الحداثة كما هو والأخذ منها كل أنواعها من حسنها وسئيها دون تمحيص لها بما يناسبه في هذا المجتمع . وتكون في أغلب الأحيان مواكبة الحداثة بكل تفاصيلها وتطوراتها مهما كانت تناسب المجتمع أو لا ,هي اهتمام من الجيل الجديد بأن يكون من الذين يقال لهم في المجتمع (متطور)أو (كول)وأن لايكون من الأشخاص الرجعيين اوكما يقال (قبلي) بل يحرص دائما أن يكون في هذا الإطار ولا يخرج منه حتى يرضي قناعاته بأنه لن يبقى في اتباعية 'ويشعر بوجوده في المجتمع وان يتقبل هذا الجيل بما لديه كما تقبلوهم ما وجدوه .... إن الحياة تتطور وعقول الناس تتغير وطريقة التفكير تتجدد والحياة في المجتمع تغيرت الاقتصادية والسياسية ,وتأثيرها أيضاً من أسباب الصراع فالآباء دائما يكررون قصص معاناتهم وكفاحهم ,ويقارنون بحياتهم أيام الشباب والآن في الطفرة الاقتصادية ويتألمون عند سمعاها ولكن في نهاية الحديث يكون صوت الشباب واحد (نحُن من حقنا أن نعيش كما يعيشون أبناء جيلنا) إن معاناة الماضي وقصصه هي كانت أحداث لهم والآن مستمعين لحديثها أبنائهم يأخذون منها ويجمعون ماقيل في ذاكرتهم ,وستبقى هي الامتداد لهم واتصالهم بالماضي هو بداية انطلاق لتوجهاتهم ومبادئهم ,وهو الأساس الذي انبثق منه فكرهم ,وما تغذياتهم إلى من توسع في الثقافة والمعرفة وانفتاح العالم وتتطوره ,والتدفق الهائل لديهم في كم المعلومات والاطلاع عليه بكل سهولة دون تكلف وعناء كل هذا جعل لديهم معرفة بسيطة مختصرة يأخذون منها القشور دون أن يسبروا في أغوارها ,أويكون انتقال المعلومة عبر وسائل الاتصال ومعظمهم يأخذ بها ولا يتحقق من مصادرها ودقة المعلومة . كل هذه المعطيات لم تجعل بين الجيلين فجوة ,بل هم أيضاً معاصرين للحضارة والتطور لكن غياب الحوار لهُ الأثر الكبير في نشأة الصراع ,الحوار ليس بين الأسرة فقط إنما غيابه أيضاً في المؤسسات التعليمية والمجتمع بأكمله عندما تفرض العقوبات عليهم ,لأنجد من يهتم بالأسباب التي أدت إلى ذلك وتحليلها بمنظور نفسي واجتماعي,كل ماعليهم يرتجعون بأنظمتهم وقوانينهم ومن يخرج عنها خرج عن أمر الطاعة ,هذا مايحصل كثيراً من الرقابة الصارمة والتشدد الديني ,الذي يكررون (لا) ولا يجيدون لغة الحوار يسمعون آرائهم ولا يأخذون بها لأنها تعتبر لديهم هي أفكار ملقحة ملوثة لوأخذوا بها ستفسد لقاحهم المتشبث بمورثهم المقدس ,فحرصهم ومحافظتهم عليها حتى لايشوبها شيْ يفسد ثمرهم في المستقبل ,إنهم إذا لم يحتوون بذور أفكارهم ويهتمون بما يكمن فيها من إبداع ويهيئون لهم التربة الخصبة بكل مالديهم سيحصون فكراً منيراً لغد أجمل ....... وإلا سيحصدون صراعاً طويلاً تتسع فجوته بين الجيلين ويغيب الحوار بينهم ......