خطيب المسجد الحرام: أخلصوا عملكم لله فالعمر قصير واتركوا الزلل فالحساب عسير    الكرملين: بوتين جاهز للتحاور مع ترمب بدون شروط مسبقة    الذهب يتّجه لتسجيل مكاسب أسبوعية وسط ترقب لبيانات أميركية    فن الكسل محاربة التقاليع وتذوق سائر الفنون    أنشيلوتي معجب ب «جماهير الجوهرة» ويستعد لمواجهة برشلونة    «عباقرة التوحد»..    وزير الطاقة: الربط الكهربائي مع اليونان أثمر عن تأسيس شركة ذات غرض خاص    أدباء ومثقفون يطالبون بعودة الأندية الأدبية    «سلام» يُخرّج الدفعة السابعة لتأهيل القيادات الشابة للتواصل العالمي    محافظ الطائف يستأنف جولاته ل«السيل والعطيف» ويطّلع على «التنموي والميقات»    الصداع مؤشر لحالات مرضية متعددة    5 طرق سهلة لحرق دهون البطن في الشتاء    الخروج مع الأصدقاء الطريق نحو عمر أطول وصحة أفضل    وزارة الثقافة تُطلق مسابقة «عدسة وحرفة»    سوريا بعد الحرب: سبع خطوات نحو السلام والاستقرار    الحمار في السياسة والرياضة؟!    ريال مدريد يتأهل لنهائي السوبر الإسباني على حساب ريال مايوركا ويلاقي برشلونة    ماذا بعد دورة الخليج؟    عام مليء بالإنجازات الرياضية والاستضافات التاريخية    أسرار الجهاز الهضمي    نجاح المرأة في قطاع خدمة العملاء يدفع الشركات لتوسيع أقسامها النسائية    «سلمان للإغاثة» يوزّع مواد إغاثية متنوعة في سوريا    الضمان الاجتماعي.. 64 عاماً من التكافل    الصدمة لدى الأطفال.. الأسباب والعلاج    كيف تكسبين زوجك؟!    «متطوعون» لحماية أحياء دمشق من السرقة    «الأوروبي» في 2025.. أمام تحديات وتوترات    سبب قيام مرتد عن الإسلام بعملية إرهابية    سالم ما سِلم    العقل والتاريخ في الفكر العربي المعاصر    الألعاب الشعبية.. تراث بنكهة الألفة والترفيه    المقدس البشري    تموت الأفاعي من سموم العقارب!    إنجازات المملكة 2024م    جودة القرارات.. سر نجاح المنظمات!    لا تحرره عقداً فيؤذيك    جانب مظلم للعمل الرقمي يربط الموظف بعمله باستمرار    مريم بن لادن تحقق انجازاً تاريخيا وتعبر سباحة من الخبر الى البحرين    أفضل الوجبات الصحية في 2025    ثنائية رونالدو وماني تقود النصر للفوز على الأخدود    خادم الحرمين يتلقى رسالة خطية من رئيس السنغال    حقيقة انتقال فينيسيوس جونيور إلى دوري روشن    مركز إكثار وصون النمر العربي في العُلا يحصل على اعتماد دولي    أمانة الشرقية تكشف عن جهودها في زيادة الغطاء النباتي للعام 2024    «الجوازات»: اشتراط 30 يوماً كحد أدنى في صلاحية هوية مقيم لإصدار تأشيرة الخروج النهائي    المرور السعودي: استخدام الجوال يتصدّر مسببات الحوادث المرورية في جازان    مغادرة الطائرة الإغاثية السعودية ال8 لمساعدة الشعب السوري    إطلاق كائنات مهددة بالانقراض في محمية الإمام تركي بن عبدالله    نائب أمير تبوك يطلع على مؤشرات أداء الخدمات الصحية    من أنا ؟ سؤال مجرد    أمير القصيم يتسلم التقرير الختامي لفعالية "أطايب الرس"    ولي العهد عنوان المجد    أمير المدينة يرعى المسابقة القرآنية    مجموعة (لمسة وفاء) تزور بدر العباسي للإطمئنان عليه    أسرتا الربيعان والعقيلي تزفان محمد لعش الزوجية    القيادة تعزي رئيس جمهورية الصين الشعبية في ضحايا الزلزال الذي وقع جنوب غرب بلاده    «الثقافة» تُطلق مسابقة «عدسة وحرفة»    عناية الدولة السعودية واهتمامها بالكِتاب والسُّنَّة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مصطفى الحسن: المثقف السعودي لا يتعامل مع الشيء ليفهمه .. بل ليقوِّمه
نشر في الحياة يوم 18 - 05 - 2010

بلغة التفسير الهادئة وعقلية الهندسة النشطة، يرسم أستاذ التفسير في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن مصطفى بن محمد الحسن بكلماته «خرائط النموذج المعرفي الإسلامي» و«هرمية المقاصد»، كمشروعٍ ينقل «العقلية الإسلامية» من عشوائية الفوضى إلى مربعات النظام. خلف الوجه الثلاثيني، لا يرضى الحسن بالإجابات المعلّبة في تحليل «عقلية التخلف الإسلامي»، فيضع «التخلف الإسلامي» على خط موازٍ ل«حداثة الغرب»، وعلى مسطرة التاريخ يحلل الفجوة، مؤمناً بأن أي حلم نهضوي إسلامي، لا بد من أن تكون خطوته الأولى: اختراع ميزان إسلامي جديد لفهم الحداثة الغربية.
يطبع علامتي استفهام وتعجب كبيرتين على صفحة معركة «الحداثة في السعودية»، فالنتيجة النهائية ذاتها التي وصلت إليها السعودية وصل إليها كل العرب، ولكن من دون معارك. يقرر أن الثقافة السعودية جمعت من السوء «حلبات الصراعات» و«النتاج المعرفي الضئيل»، ومرة أخرى «اللاوعي يعيش حال فوضى». يشكو مصطفى الحسن الحال المقلوبة في دراسة العلوم الشرعية، فجميع العلوم تدّرس الكليات قبل الجزئيات، فيما ما زالت ذهنية طلاب العلم الشرعي تعرّف طريق الوصول إلى مرتبة العالم الرباني بمعرفة صغار الأمور قبل كبارها. يستغرب غياب أدوات العقلية المنظمة في وعي طالب العلم الشرعي، والخوف الذي يغلف كل سكنات التعامل المباشر مع النص والهروب إلى ما قال العلماء.
يرجع خطوةً للخلف عند قراءة الأحداث ليرى بعين «الصورة الأكبر»، ويطرح الأسئلة طمعاً في فتح باب مزيدٍ من الأسئلة، لا في الإجابات. وإن لم يكن كذلك، فلتحديد أين لا بد للمعرفة من أن تتراكم لفك طلاسم الأسئلة... فإلى تفاصيل الحوار:
هل ترى في الحديث عن «الإسلام» و«الحداثة» مقاربة ومقارنة أم مجرد مماحكات؟
- تأتي أهمية الحديث عن الحداثة من الحديث عن الحداثة الغربية، فلا يُعطي الاهتمام نفسه للحضارات الأخرى على رغم وجود أفرادها بيننا، لأننا محكومون بتشكيل الزمان والمكان الذي نعيش فيه والمظاهر الحياتية التي نعيشها، وكلها منتجات غربية شئنا أم أبينا. فنحن نستيقظ وننام على منتجات غربية، والحديث ليس عن القبول والرفض، بل الحديث عن تفهم الزمان والمكان الذي نعيش فيه.
الأساس الثاني هو أن الغرب يتدخل في حياتنا ولسنا نحن من نتدخل في حياته. القضايا الكبرى في محيطنا، في فلسطين مثلاً، في الوجود الإسرائيلي الذي جاء بدعم غربي، ولم يأتي بدعم هندي أو صيني. مشكلة العراق مع أميركا، ومشكلة الصومال واليمن، وكل ما يحيط بنا جغرافياً سببه الغرب.
ولذلك فهناك حاجة إلى فهم المعطيات السياسية المحيطة والتركيبة السياسية والثقافة التي نعيشها. أما الأمر الثالث فهو حقيقة عدم امتلاكنا الخيار للعودة إلى ما قبل الحداثة. نحن موجودون في مرحلة ربما لم توجد تاريخياً، وهي مرحلة الانتماء إلى نموذج وهو النموذج الإسلامي في وقتٍ يسيطر علينا نموذج آخر هو النموذج الغربي، وعليه فنحن مضطرون إلى التقدم في ظل هذا الوضع.
قد تصل الأمور إلى مرحلة جدلية أحياناً ومماحكات، وينطبق عليها الحال السعودية أو حال الحداثة في بعض الدول العربية.
ففي السعودية مثلاً، الحداثة معركة وانتهت، ظهر فيها رموز من جانب الحداثيين السعوديين ورموز من المعادين لها، وهي لم تتجاوز الحداثة الأدبية.
تبدو المشكلة في أن القائمين على الحداثة أو الذين دفعوا بها إلى الأمام كانوا يقيسون الحال العربية على الحال الغربية، كعصر النهضة الأدبية، حيث الروعة الفنية والاهتمام بالتفاصيل في الأدب والشعر، وحيث انطلقت حرية الآراء من الآداب والفنون. وسبب الإشكالية أن التاريخ لا يكرر نفسه حرفياً في الزمان والمكان، صحيح أن هناك سنناً تاريخية، ولكن المعطيات لا تتكرر.
في الشعر مثلاً، كان الاعتقاد واضحاً عند بعض الشعراء أنه لتحقيق الحرية الكاملة فلا بد من التمرد على الذات الإلهية، على رغم عدم وجود مشكلة داخلية عندهم مع الإله، ولكنّه ظنٌ بأنها حال لازمة للوصول إلى الحرية الكاملة، وهو نوع من التقليد، الذي يقع فيه الحداثيون، على رغم أنهم يعيبونه على الإسلاميين.
فالخطأ كان مزدوجاً ولم يكن هناك محاولات لتجاوز مرحلة الحداثة إلى ما هو أكبر من الناحية الأدبية. الإسلاميون اعتبروا الحداثة الأدبية السعودية مثقلة بالفلسفات وهي لم تكن كذلك، والحداثيون كانوا يحاولون بعث الروح من جديد من طريق الفن، فإذا تحرر الفن وتحرر الشعر تتحرك النهضة للأمام، وهو قياس خاطئ أيضاً.
من كان الخاسر في هذا الصراع؟
- الثقافة نفسها كانت الخاسر الأكبر، إذ أخذنا موقفاً مرتاباً من كل ما هو قادم من الغرب، وانتقلنا إلى مرحلة النقد والتقويم قبل مرحلة التفهم، فلم نفهم الغرب ولم نستطع التفاهم معه.
هل حان الوقت لإعادة قراءة وصياغة «الحداثة في ميزان الإسلام»؟
- كان الموضوع بالنسبة إلى الدكتور عوض القرني في كتابه أن يوضح خطراً موجوداً، وكأنه كان يخشى أن تمرر الأفكار على المجتمع من دون شعور بخطورة فحواه، فيما الواقع أن هذا لم يكن ليمر على الناس من دون أن يشعروا به، فلا يمكن لشخص أن يقرأ تمرداً على الذات الإلهية من دون أن يشعر. وانتهت المحاولة إلى أن تحولت كلمة الحداثة من أن تكون بمعنى البحث عن الجديد إلى «سبّة»، ويكفى أن تقول لشخصٍ أنه حداثي لتشتمه.
الآن، لا بد من تجاوز قراءة الحداثيين العرب، على طريقة الحداثة في ميزان الإسلام، إلى قراءة الحداثة الغربية، بتجاوز الخوف والارتياب من الحداثة الغربية والدخول في مرحلة التفهم، وهي الآن في تصوري غير موجودة، ولا سيما عند المثقف السعودي، فهو لا يتعامل مع الشيء ليفهمه بل يتعامل معه ليقوِّمه، وهي حالة نفسية قبل أن تكون حالة معرفية.
الوصول إلى مرحلة التفهم لا بد لها من الحياد، حتى أصل إلى تفهم سلوك المقابل، ولماذا يتصرف بطريقة معينة؟! على سبيل المثال، لا بد من أن نتفهم لماذا يدعو الأميركي إلى حقوق الإنسان في الغرب وهو ينتهكها في العراق؟ ولماذا يدعو إلى الديموقراطية وفي الوقت نفسه يدعم الأنظمة غير الديموقراطية.
ما الفرق بين «الحداثة» و«التحديث»؟ وأين الأولوية؟
- الفكرة ككل، أو التسلسل التاريخي بتعبير بسيط كان على النحو الآتي، أنه في لحظة من اللحظات بدأ الغرب في النهوض، وفي لحظة من اللحظات بدأ العالم الإسلامي يتراجع.
ظن العالم العربي أن الفجوة بينه وبين الغرب كانت ضئيلة تقدر بعقود عدة، وأن بالإمكان تداركها، وهذا ما أدى إلى شيء من التراخي، إلى أن حصل الالتقاء الأول بقدوم جيش نابليون الفرنسي إلى مصر عام 1798.
قدوم نابليون إلى مصر كان استعراضياً، بإقامته معرضاً للأسلحة الفرنسية وإحضاره علماء جغرافيين وفلكيين، إضافة إلى استعراض الطابعة الفرنسية. فهو لم يأت للتحرير بل جاء ليبهر المجتمع المصري وهو ما حصل. حينها وعى المجتمع المصري أن الفجوة أكبر مما كان يتخيل، ووصلت الأمور إلى أن تُقدر الفجوة بين التراجع الإسلامي والتقدم الغربي بأكثر من 200 سنة، ومعها بدا واضحاً أن محمد علي باشا بدأ يبحث ويسأل: كيف ننهض؟ وطرح السؤال شيخ لا يذكر اسمه كثيراً وهو حسن العطار، ومن تلامذته رفاعة الطهطاوي، ومعها بدأ ارسال البعثات إلى فرنسا.
بعد ذلك، استمر العقل العربي طوال القرن ال 19 في حال سكينة وهدوء يفكر في ما يمكن قبوله وما يمكن رفضه، فهناك النموذج الغربي الذي يحاول نقل أفكاره إلى العالم العربي، وهناك النموذج الإسلامي الذي عجز عن تطبيقه على أرض الواقع، لكنه قابل للتطبيق لعدم وجود المنافس في أرضه، حتى حصلت نقطة التحول بعد عام 1925، فدخلت الحداثة في البنيان وفي تشكيل الثقافة والتعليم ونظام العمل ومفهوم الدولة المدنية ومفهوم الوطنية قبل أن يحسم العقل العربي أمره تجاه قبول أو رفض الحداثة الغربية.
التراجع والاختلاف
ولماذا عام 1925 تحديداً؟
- كان واضحاً في كتابات تلك الفترة، فحتى عام 1905 - وهو تاريخ وفاة محمد عبده صاحب تفسير المنار - كان الكلام واضحاً ومتزناً وبعقلية مرتبة ومنظمة، وبعد وفاته بدأ التراجع وهنا يأتي الخلاف حول ما إذا كان محمد رشيد رضا رشّد المدرسة أم خضع للضغوط وعاد إلى العقلية النصّية التقليدية.
مع محمد رشيد رضا أعاد مفهوم الوطنية إلى المربع الأول بدعوة العودة إلى دولة الخلافة، بعد كل المعارك التي استطاعت تقرير فكرة أن الوطنية لا تتعارض مع الإسلام.
تجد كل أدبيات جمال الدين الأفغاني وخير الدين التونسي تذكر العقل وأهمية إعادته، ولكن أول غياب لذكر العقل في أساسيات الفكر الإسلامي كان عند سيد قطب، عندما ذكر في كتابه «خصائص التصور الإسلامي» معالم منهج الإسلام ولم يذكر من ضمنها العقل، وهو أول غياب لمفردة العقل في الفكر الإسلامي منذ رفاعة الطهطاوي.
عدم حسم الأمر تجاه الحداثة الغربية أحدث ازدواجيات رهيبة، فتجد أكثر السلفيين تشدداً من أكثر الناس انغماساً في الحداثة في حياته اليومية، وهذا سبّب نوعاً من البلبلة في اللاوعي.
من سمات الكتابة الإسلامية في هذه المرحلة أيضاً أن الفوضى واضحة فيها فلا يوجد نموذج واضح ولا هدف واضح وتجد العموميات لدرجة الشعور بعدم وجود قضية أساساً.
هل سبق «السيف العذل» بعدما دخلت الحداثة الغربية أم ما زالت هناك مساحة للتفهم والتقويم والإصلاح؟
- لكل عصر صعوبات، ولكل حال تخلف صعوبات. فقد تكون الحال التي نمرُّ بها غير موجودة في التاريخ، ولا يوجد شبيه لها في التاريخ، ولكن هذا لا يعني أنها الأصعب، ولا أظن أننا الأعقد أو الأصعب، والتاريخ يثبت أنه لا توجد حالات مستعصية، بل التاريخ وحده عامل مساعد في اتجاه التغيير.
لا أظن المسار مسدوداً أو معقداً للغاية، لكن ما يحصل الآن هو عدم وجود محاولات لمواجهة السؤال كما هو. هناك إصرار على الإجابات الجاهزة والمطروحة من القرن الماضي وأنه لا بد من الاستمرار عليها، وأن الفكر الإسلامي موجود والمنهج الإسلامي موجود، وكل ما هو مطلوب منا هو الدفاع عنه، وأن نبين أنه كان قادراً على التغيير وأن نقنع الناس فيه، وأنه لا توجد عندنا مشكلات حقيقية.
في المقابل، من ينتقد المنهج الإسلامي هو لا ينتقده بطريقة معرفية، فتفاجَأ بأن أبرز ما يميز الثقافة السعودية هي الصراعات ولذلك فحجم الإنتاج المعرفي ضعيف جداً. تقرأ سجالات في الفلسفة بين المثقفين السعوديين، ولكن عندما تريد قراءة كتاب في الفلسفة، لا تكاد تجد شيئاً عند المثقفين السعوديين، وتبحث عن مقصودك في بلد آخر عربي أو غربي.
الصراعات كانت حول قضايا بسيطة، فقضية سهلة كقيادة المرأة السيارة على سبيل المثال، ظهرت للمرة الأولى بشكل علني في عام 1991، وتجد أن الطرح الموجود في تلك الأيام، مقارنةً بالطرح الموجود هذه الأيام، هو ذاته، بمعنى أننا لم نتقدم أي خطوة، والسبب أنها حولت إلى قضايا رمزية بين أشخاص أو بين تيارات أو تشكّلات معينة.
إذاً... هل نؤسلم الحداثة أم نحدّث الإسلام؟
- إذا كنا نقول بأسلمة الحداثة، فهذا يعني عدم وجود اختلافٍ جذري بين الحداثة والإسلام، والحقيقة أن هناك اختلافات جذرية تمنع أسلمة الحداثة. هناك الخيار الثاني وهو تعايش النموذجين أو بعبارة أدق (تدافع) النموذجين، والسؤال هنا لا يوجه إلى العربي أو الشرقي، بل يوجه إلى الغربي ومدى تقبله وجود نموذج آخر.
كل تصرفات الغرب لا تدل على قبول نموذج آخر، فلن يقبل الغربي بوجود نموذج صيني أو ياباني هندي أو إسلامي لحقوق المرأة، أو نموذج آخر لحقوق الانسان.
فكرة أسلمة الحداثة هي نوع من «الترقيع»، هناك فرق كبير بين استقدام تعاملات مالية مصممة وفق نموذج غربي ونؤسلمها بإيجاد المداخل الشرعية وإزالة المحرمات فيها، وبين بناء تعاملات مالية إسلامية تحقق القيم الإسلامية.
ما كان يطرح سابقاً بأن ننقل المنتجات الغربية دوناً عن قيمها كان كلاماً جميلاً ولطيفاً في مظهره، إلا أنه غير ممكن، فالمنتجات تأتي محملةً بقيمها، وهذا سبب للفوضى في العقل.
هناك إشكالية الانتقال من إطار الحداثة الغربية إلى النموذج الإسلامي بشكل لحظي، وهو أيضاً غير ممكن، والمثال ما حصل مع طالبان وبعض أطروحات الحركات الإسلامية، إلا في معزل عن العالم وهو أمرٌ غير مقبول، فلا يمكن أن تطلب مشروعيتك من العالم وأنت ترفضه.
إذاً... ما الحل؟ تأتي عندنا فكرة التدافع، ببناء نموذجٍ إسلامي والبدء في تطبيقه على الواقع شيئاً فشيئاً، وهذا وفق التجارب الإسلامية غير مطروح، ولكنه قد يكون مطروحاً في التجربة التركية، بالتكيف مع الحداثة الغربية والتحول تدريجياً إلى النموذج الإسلامي.
التغيير والمجتمع السعودي
هل ترى اليوم الذي نضطر فيه إلى ركوب موجة الحداثة أو إيجاد حداثتنا الخاصة بنا؟
- التغيير في المجتمع السعودي إذا أخذناه مثالاً سيكون منطلقاً من حقيقة أنه مجتمع يملك الحد الأدنى من التدين، والأكثر فيه أنه لا توجد عنده مشكلات كبرى في حياته من ناحية الدين، فإذا وعى المجتمع أن النهضة هي جوهر الإسلام، بمعرفة أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مثلاً، ليس فعلاً وقتياً ولكنه حركة تغييرية، وكذلك مفهوم الاستخلاف في الأرض، وأيضاً بمعرفة أن عمل الصالحات بمعنى الدفع باتجاه الأمام، فهذا سيكون في مصلحة الجميع.
في المجتمع السعودي، يجب ألا نصل إلى مرحلة الاضطرار، بل لا بد من تحول في الفكر الإسلامي من الفكر النسكي إلى فكر العطاء وأن يتحول إلى التدين إلى الفعل المدني وأن يدفع باتجاه التغيير.
إذاً... لماذا لم يُفعل مفهوم التجديد بعد في الفكر الإسلامي المعاصر؟
- الفوضى التي دخل فيها الفكر الإسلامي منذ أكثر من 50 سنة هي السبب في ذلك. في التفسير مثلاً، وهو تخصصي، لا يوجد أي تقدم معرفي، وكل الكتابات تجدها إما فوضوية، حيث لا تهدف إلى شيء ولا يعرف أصحابها ماذا يريدون، وانتقاء المواضيع فيها مزاجي وتسمى «الدروس والعبر»، أو تجد الردود، ومناقشة القراءات الجديدة، لكن لا يوجد أي محاولة لإيجاد نظرية جديدة في التفسير.
الحداثيون العرب المهتمون بالتفسير في بعض كتاباتهم يثيرون حقيقية، وقد لا تُقبل إجاباتهم، لكنها إشكالات حقيقية لا بد من الإجابة عنها، ولا بد من إيجاد نظريات تفسيرية، وليست القضية هي الثورة على القديم، لتكن هذه النظريات امتداداً لنظريات تراثية، وهو ما قامت به سابقاً مدرسة المنار وغامرت مغامرة ضخمة، ووقعت الأخطاء فيها بشكل طبيعي، لكنها لم تعط زمناً كافياً.
المشكلة أن الفكر الإسلامي يعاني مشكلة «مزمنة» وأحياناً تصل الأمور إلى أن يقوم بعملية تشبه عملية الطرد المركزي لكل من يحاول التجديد، فيجد التهميش.
الطاهر بن عاشور، مثلاً، كتب «مقاصد الشريعة» وهو كتاب متطور لكنه غير فاعل لعدم معرفتنا به ولا دراستنا له، وفيه استند إلى فكرة تراثية وطورها، ولا إشكال في هذا. المهم أن توجد العقلية المنظمة والمرتبة، التي تفرق بين الافكار المركزية والأفكار الثانوية وتوجد الروابط بين الأشياء.
هل يمكن للمدارس الشرعية التقليدية المعاصرة أن تصنع «مجددين»؟
- ليس بالتصريح الخطير إن قلت: «لا»، ولكن هذا الواقع. كل الدارسات الشرعية تهيئ الطالب نفسياً وعلمياً لأن يتعامل مع أقوال العلماء وليس مع النص، فعندك على سبيل المثال، الشيخ يوسف القرضاوي، والذي يعد أحد العلماء الأكثر انفتاحاً، والذين يُعول عليهم كثيراً في التجديد، يعترف بأن الكليات الشرعية التي درس فيها ما زالت تدرِّس الطالب على الطريقة القديمة نفسها ، فلا تكسبه الجرأة ولا الأدوات للتعامل مع النص. وتجد أن منهجه في الوسطية والأخذ بالأيسر يتعامل مع أقوال العلماء لا مع النص.
هل قدمت «الفتاوى» حلاً سهلاً وغطاءً لكسل الشرعيين؟
- الفتوى هي نتيجة لفوضى العقل، ولو رجعنا لحال الصحابة - رضي الله عنهم - في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام وتأملنا في بقاء بعضهم فترة وجيزة ثم عودتهم إلى أقوامهم لدعوتهم وتعليمهم، وتساءلنا، كم هو حجم المعلومات التي تعلموها في هذه الفترة الوجيزة.
حجم المعلومات كان قليلاً، ولكنه أورث وعياً، ولذلك لا بد على العلماء من أن يفرقوا بين التعليم والوعي، وهنا تأتي فكرة النموذج الذي يُكسب العقلية المنظمة القادرة على التمييز بين الصواب والخطأ من دون الحاجة إلى الرجوع إلى المفتي في كل قضية. وجدنا وصول الإسلام إلى أماكن بعيدة حول العالم على يد الصحابة والتابعين من دون الحاجة إلى الرجوع والسؤال، فيما يكفي أن تستمع إلى برامج الفتاوى لتستغرب من نوعية الأسئلة المطروحة، فلا أحد يستطيع التعامل مع أي شيء، وصرنا نبحث عن فتوى لمهرجان الزهور وإقامة السوق الخيري ولبس الخاتم والقبعة.
أين نحن من «فقه المقاصد»؟
- ميزة المقاصد أنها ابتكار إسلامي، وليس عليه أي تهمة، كما أنه لا يتوافق إلا مع طبيعة القرآن. ولكن ما يثير مخاوف كثير من الممانعين أن في تطبيقه والتعمق قلب للطاولة على كثير من أفكارهم.
كيف يمكن للإنسان البسيط أن يرى النموذج المعرفي الإسلامي في حياته اليومية؟
- التسلسل المفترض، أن توجد الدراسات البحثية وتبني النموذج وبعدها تبدأ قراءة واعية للنص، ويصل إلى الناس من طريق الفنون سواء كانت الرواية أم الموسيقى أم الرسم أم الصورة أم غيرها، وأخيراً إلى مناهج تعليمية تدّرس وهو أعظم إنجاز يكون لأي فكر من الأفكار. لكن الصعوبة أننا ما زلنا في المرحلة الأولى، وأصعب طريقة يمكن أن يصل به النموذج إلى الناس هو بطريقة الفكر المركب كما أتحدث أنا الآن.
الفن يجعل الإنسان قادراً على الفهم المنظم والواعي والقادر على إنتاج ما يقرأه بشكل واقعي في حياته بلغة بسيطة يفهمها وإن لم يكن قادراً على تبريرها فلسفياً، وتبقى الإشكالية الأخرى في تعامل الإسلاميين مع الفنون، فهو يمانع التعامل معها، وإن تعامل معها فهو تعامل المضطر.
والخيار الثاني هو الوعظ، وإن كنت لا أحبذه، واستخدمته الصحوة قديماً في الشريط الإسلامي، فهو حلقة وصل بين العلماء والناس. لكن نموذج الوعظ الموجود يقتل الفكرة كلياً ويسطح العقل الموجود أمامه، فيتخيل المستمع أنه يفهم كل شيء، وفي الحقيقة أنه هو لا يفهم أي شيء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.