الوطن الذي يمتلك قدرة كبيرة على التزام جانب الحق والوعي والمسؤولية.. ويلتزم كل مسؤول فيه – قبل المواطن العادي – بقيم العدل والأخلاق والحرية.. إضافة إلى الالتزام بسيادة القانون والنظام العام والنقد والمحاسبة.. هو الوطن المقتدر على مواجهة الصعاب والتحديات ودسائس وهموم الواقع الخارجي بكل قوة وصلابة.. ولهذا لا يستطيع الوطن العليل مواجهة الأخطار والمؤامرات سواء الخارجية أو الداخلية إلا عندما يتعافى ويتحرر من أمراضه وقيوده الداخلية قبل الخارجية.. ويرتبط بناء الأوطان القوية ببناء المواقع الداخلية العديدة، ومن أهمها الإعلام الحر الواضح والصريح وفق أسس وقواعد متينة تعتمد على الصدق والمسؤولية والوعي والتعامل بشفافية.. كما تعتمد على تطبيق القانون واحترام الإنسان ومكافحة الفساد والفاسدين، واتباع نهج محاربة الهدر والإسراف، إلى جانب تحقيق العدل وبناء دولة المؤسسات المدنية.. فالإعلام قيمة كبيرة تندرج بالدرجة الأولى في إطار المخاطبة الإنسانية حيث تخاطب العقل والنفس البشرية.. وذلك بالتأكيد معيار أخلاقي سامٍ يشكل جزءاً مهماً من نظام القيم والمبادئ الحضارية.. بل هو سلطة معرفية وأخلاقية..ولكي يتم بناء نظام إعلامي عربي حضاري في دعوته وقيمه، يجب أن يرتبط بشكل مباشر مع أهمية تشييد نظام قيم إنساني عالمي هادف يرتكز بطبيعته على توازن في القيمة والممارسة بصورة محددة.. سواء في المجالات السياسية أو الأمن أو الاقتصاد والاجتماع الإنساني، بمعنى توازن حركة الدول الكبرى عبر نظام قيم راسخ يتم من خلاله ضبط مسارات قوى المجتمع الدولي وأقطابه وعوالمه المتعددة.. وهنا لابد أن يتم تشخيص الحالة الراهنة للإعلام العربي الرسمي والخاص، فما يزال بعض هذا الإعلام يعاني من الحساسية والخوف حيال الوافد الجديد أياً كان ذلك الجديد.. وذلك بالرغم مما يطلقه بعض المسؤولين عن انفتاح الإعلام وسعة انتشاره، مع أن جانباً من تلك الأقاويل كما هو واضح لا أساس لها من الصحة في الواقع العملي.. ولهذا فقد استنكفت شرائح من الجماهير العربية عن التعامل مع إعلامها وبالأخص في المجالين السياسي والثقافي نتيجة لشعورها بأنه لا يمثلها ولا يعبر عن طموحاتها واهتماماتها، وعما تعانيه من مشكلات بأي حال من الأحوال.. وهذا الأمر دفع تلك الجماهير للميل نحو الإعلام الآخر، بعد انتشار قنواته الفضائية بكثرة، وأصبحت تملأ الفراغ الكبير الذي أحدثه الإعلام العربي الحكومي والخاص عندما بات في أسوأ حال.. وفي ظل عصر الإعلام السريع وثورة المعلومات والاتصالات الفائقة في تقنيتها وتطورها، لابد أن يعلم الجميع بأن ضمان المحافظة على وحدة المجتمع وأمن واستقرار البلدان، ونهضة وتقدم الأمة يتمحور في نقطة أساسية.. تتجسد في ضرورة اتساع المجال للشعب لرؤية كافة الأمور والوقائع بوضوح وجلاء، وإشعار المواطن بحقيقة وأهمية وجوده الحر الكريم، وكذلك احترام فكره وحريته في ممارسة كامل حقوقه المواطنية.. والمشاركة الفاعلة في تصويب ونقد الواقع المعاش، وفي بناء الدولة الحديثة بصورة حقيقية.. ويظل الإعلام العربي في أمس الحاجة إلى إعادة النظر في كافة شؤونه، في هياكله ومفاصله وفي توجهاته الخاصة والعامة ليتمكن من أداء الرسالة الإعلامية الحضارية بمسؤولية وصدق وإنسانية.. ويقدم للناس المعلومات الصحيحة، بحيث يتسم خطابه بالشفافية والمصداقية والحس الوطني والأخلاقي الذي لا يحيد عن خيارات الأمة.. بعيداً عن النفاق والتدجيل والتضليل والمزايدة الذميمة.. وهناك ضرورة لإعادة دراسة وتقييم ونقد تجربة الإعلام العربي الأرضي والفضائي، وتنقيته من السلبيات العالقة به، ومن المظاهر المرضية.. والأخذ في الاعتبار أن ظاهرة المركزية الإعلامية الفجة من الظواهر الخطيرة التي استفحلت وتجذرت في البيئة الإعلامية والسياسية العربية.. وتلك هي القضية. [email protected]