الحرية .. هذه الكلمة التي أحجم الكثيرون عن استخدامها في خطاباتهم، بل نسي بعضهم أنها من أهم مقاصد الشريعة الإسلامية، وباتت الكلمة تعني للناس الحضارة الغربية التي استطاعت أن تخفي سوأتها وأن تقدم للعالم نفسها على أنها المُخلص لهم من الظلم والاستبداد. وعلى الرغم من أن الناس كلما اقتربت من الغرب وحضارته اكتشفت سوء عورتهم، إلا أنها سرعان ما تعود لتنظر في تلك المرآة الجميلة التي صنعها الغرب لنفسه، حتى استطاع أن يجد له من في عالمنا العربي أنصاراً ينعقون باسمه، ويطبلون ويزمرون لشعاراته من حرية وديمقراطية وانفتاح. ولما وجد الغرب أن حضارته استطاعت إقناع العرب الذين يعانون الضعف والتشرذم، فوجدوهم يدخلون في حضارتهم المصطنعة أفواجاً، وباتوا ينادون بالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان دون أن يعرفوا حتى معناها، وبدأ الغرب يصنعون الحريات بالمقاس المناسب للشعوب والخادم لمصالحهم وفق مزاجهم وإشباعا لشهواتهم فأصبح التعري والفجور وسرقة مقدرات الشعوب الفقيرة جزءا ملتصقا بالحرية الغربية. واقع مؤلم افتتح به الإنسان العربي وخاصةً الشباب، العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، بعد مائة عام جرب فيها الناس كل أكاذيب العلمانية واللبرالية والشيوعية، التي جعلت جيل الشباب ينظر إلى تلك المرآة الغربية التي تظهر الحضارة الغربية كالفتاة الحسناء، بينما الواقع الغربي نفسه يختلف تماماً!! فلماذا ينتحر الناس في الغرب؟، وتنتشر عصابات المافيا وتعم الجريمة. ثم ينظر هذا الجيل من الشباب المثقل بالهموم والبطالة والفقر، إلى الزاوية الأخرى حيث مرآة تركها نحو قرنٍ من الزمان دون أن يحاول التعرف عليها، أو حتى النظر فيها ولو لحظة، فبات يسأل عنها وهي التي استطاعت أن تحافظ على لمعانها الحقيقي طوال هذه الفترة، وجمعت حولها قلوب الكثير ممن فضلوا السجون والقتل على الالتحاق بسفينة الحضارة الغربية، فأبناء هذا الفكر الإسلامي وإن قل عددهم وضعفت قوتهم إلا أنهم الأحسن حالاً، والأهدأ بالاً، والأكثر وعياً وإدراكاً أن دورة جديدة من دورات التاريخ قد بدأت فعلاً، مطمئنين لوعد الله. لقد أيقنت الشعوب أن الوقت حان لوقف هذه اللعبة ، وتحطيم المرآة الكاذبة التي صور الغرب لنا فيها نفسه، والالتفات إلى الأصل، إلى تلك الفئة من الناس المطمئنة قلوبهم، المستقرة مسيرتهم، بالحرية الحقيقية المسؤولة القائمة على الصدق والأخلاق والتي تحفظ الكرامة للإنسان والأوطان.