أسعدُ اليوم باستعارتي لتلك العبارة الذهبية التي أجراها الله عز وجل على لسان الصحابي الجليل / أُسَيْد بن حُضَيْرٍ رضي الله عنه, ففي حادثة الإفك الشهيرة, كان ضياع عِقْد أم المؤمنين الصّدّيقةُ عائشة بنت الصديق رضوان الله عليها وعلى أبيها, سببا لنزول آية التّيمم, بعد أن حبستْ رضوان الله عليها الجيش بحثا عن العقد إلى أن نفد الماء,فكانت تلك الحادثة السبب في نزول آية التيمم. واليوم فإني أحمد الله وأشكره على أن أخي /زياد الدّريس الذي نشأ وترعرع , حتى شبّ عن الطوق في بيت علم ومعرفة واعتزاز بالسلفية( الحقيقية وغير المزيفة ) قد أدّى هذا الحوار الذي جرى بيني وبينه إلى تراجعه من حيث يشعر أولا يشعر, بكل ما هجا به السلفية, ورآه ثَلْماً في اعتزاز بلاده بها, وذلك التراجع الخجول منه , هو ما تضمنه رده على المنشور في الرسالة رقم ( ) من مجموعة الدكتور عبد العزيز قاسم البريدية (الجمعة (12 /2 /1433ه الموافق:6 /1 /2011م) ... والمعنون بالخطاب الموجّه إليّ المتضمن السؤال الإنكار والتهمة ب { خيانة الدين والأهل والوطن40 عاما } فقد أقرّ في رده هذا بسلفيته , وأنه لا يناهضها ولا يقف في معاداتها, إذ إن ما يزعجه من السلفية هو تلك ( السلفية المتحزّبة ) منها, ولو أنّ الأمور كلها تجري وفق ما ينبغي وما تطمئنّ إليه النفس وترجوه, لكان مقال أخي زياد في جريدة « الحياة « الذي استكثر فيه على بلاده, أن تنخفض طموحاتها من ( الوحدة الاندماجية ) مع دول الخليج العربية , بدلا من مجرد ( التعاون ) الذي أُسّس المجلس الخليجي بموجبه.. فيرى سامحه الله أن إعلان القيادة الرشيدة في المملكة العربية السعودية اعتزازها وتمسكها بالسلفية, هو تراجع عن تلك الطموحات لدولة كبيرة مثل المملكة العربية السعودية, مع اتفاقه على مفهوم السلفية في بلاده, وهو ( ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ) من حيث فهم للدين الإسلامي وتطبيقه..وقد أقر بتفهمه لدولة شيعية , وأخرى صوفية, ولكنه لا يرى للمملكة العربية السعودية أن تتقلص طموحاتها في أن تكون مجرد دولة مسلمة سلفية.. وقد فسّر لنا رده الأخير وجه اعتراضه وهو التوظيف السيئ للسلفية بجعلها حزبية, أو حملها لمسميات أخرى يتصف أصحابها بالإرهاب... فانظروا إلى هذه القشّة الواهية المتدلية من بيت العنكبوت, التي تعلّق بها ذلك الشاب الذي قلنا إنه ترعرع ونشأ في بيت سلفي... أما كان الأجدر بمقاله ذاك الذي هجا به اعتزاز بلاده بالسلفية أن يتضمن الإشادة بهذه الخطوة المباركة, التي استلمت فيها الأيدي المتوضئة السلفية الحقة وغير المزيفة, واستردتها من اختطاف المختطفين المشبوهين لها.. وإلاّ فمن أين له أن تأتيه مخاوف وهواجس, ب(تحزّب سلفية) يرعاها ويقوم عليها قادة المملكة العربية السعودية, وعلماؤها الأجلاء... هل حاربت المملكة العربية السعودية, شيئا مثل محاربتها للتحزب والحزبية... لقد كان من نعم الله على هذه المملكة المباركة أن جعل الأسس التي وحدها عليها المؤسس العظيم جلالة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود طيب الله ثراه, أسسا تجمع ولا تُفرّق, ولا تدعو بأي حال من الأحوال للحزبية التي وصف ربنا سبحانه أصحابها, بالتشتت والتفرق, وفرح كلّ فريق منهم بما لديه, مما يخالف ويُناقض توجهات الفُرُق الأخرى ... ولا أقول هذا القول ليُفهم منه طعني على الأحزاب إن وُجدت في بلدان أخرى, فلكل بلد ظروفه التي تختلف عن ظروف غيره من البلدان.. فبلد مثل المملكة العربية السعودية, الذي لا يحمل جنسيته من يدين بغير دين الإسلام, أو يتجه إلى قبلة أخرى في الصلاة غير قبلة المسلمين, ما حاجته إلى الأحزاب.؟!.... ولقد روى لنا التاريخ ذلك الحوار الذي جرى بين جلالة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود ومؤسس جماعة الأخوان المسلمين الشيخ حسن البنا, الذي استأذن من جلالة الملك أن يفتح فرعا للإخوان المسلمين في المملكة, فسأله الملك عن أهدافهم, فلما قال له: إنها لا تخرج عن الدعوة إلى الإسلام وتحكيم شرع الله ... أجابه الملك عبد العزيز, بما قطع أي أمل له في أن يكون بالمملكة العربية السعودية فرع لتنظيمه , وبما حمى الله به المملكة من مخاطر ذلك التنظيم, وهو قول جلالته له : إذا كانت تلك أهداف الأخوان المسلمين, فإني وحّدتُ المملكة لنفس الأهداف , ولتكون تحت مظلة وراية لا إله إلا الله محمد رسول الله, فلك أن تعتبرني مندوبكم في المملكة ) انتهى وأما خوف أخي زياد من أن تُختطف ( سلفية ) ينادي ويقر نايف بن عبد العزيز آل سعود بالاعتزاز بها, إلى سلفية يوظفها الإرهاب والإرهابيون كسلفية أسامة بن لادن, فذلك عجب ما بعده عجب.. وعودا على بدء , أقول : لو كانت الأمور تجري دوما على ما ينبغي, لسار مقال الأخ زياد الدريس عن السلفية مسارا غير ذلك المسار الذي سلكه, ولكنه لن يجد ذلك الترحيب من تلامذة اليونسكو والمصلين في محرابها, الذي وجده... وأعود إلى العنوان الغريب الذي عنون به أخي زياد مقالته التي رد بها عليّ وأنا على يقين لا تزعزعه العواصف من أنّ أخي أبا غسّان حفظه الله وحماه, لم يقصد رمي بتلك التهم الفظيعة التي تكفي كل واحدة منها في القضاء على المتّصف بها يقينا, فكيف وقد أُضيفت إليها التهم التي تُبيح كل واحدة منها دم صاحبها..فخائن الدين عقوبته عقوبة المرتد, أما الوطن فإنّ عقوبته يكفي مسماها (الخيانةُ العظمى) التي لا عقوبة أخرى تُماثلها.. فكوني على يقين من أنه لم يقصد بتلك التهم , التهامي بها إلاّ على أنّي أعلم عن اليونسكو ما تضمنه ردي السابق المتضمن ما قلته عنها من العداء للدين الإسلامي الحنيف واللغة العربية والثقافة الإسلامية, ثم أتقاعس عن التحذير من ذلك.. فإذا كان ذلك هو ما قصده أخي الأستاذ زياد الدريس, فإني أقول له إنّ واقعي لمن يعرفه حق المعرفة, يُناقض ذلك جملة وتفصيلا, فقد دخلتُ عالم الكتابة والصحافة وأنا على مقاعد الدراسة وعمري لا يتجاوز السادسة عشرة ( ومن الصحف التي شهدت بداياتي الأولى : «جريدة الدعوة الإسلامية» الأسبوعية,إبان ترؤس الشيخ عبد الله بن إدريس «والد زياد» لتحريرها, حيث كنت ممثلا لها في المدينة النبوية) وكتاباتي كلها منذ ذلك الوقت وحتى اليوم, لا تخرج بحال من الأحوال عن الدفاع عن الإسلام واللغة العربية والثقافة الإسلامية, ومناهضة توجهات أعدائها بمن فيهم اليونسكو, وإن لم يجر ذكر أولئك الأعداء كلهم بالاسم على الدوام.. وإنّي أعتذر هنا الاعتذار الشديد لمن يقرأ هذا الحديث إن اشتمّ فيه ما يشي بالحديث عن النفس,اضطرّ الموقف إليه اضطراره لنبي الله يوسف بن يعقوب عليهما السلام,أن يتحدث عن نفسه إلى عزيز مصر, مبينا له مؤهلاته التي تجعله أهلا إلى أن يُسند إليه خزائن مصر لكونه ( حفيظٌ ،عليم )... ف ( الثقافة ) على سبيل المثال , التي هي المعيار لتوجيه الدعوات للمثقفين, لحضور الندوات والمشاركة في المنتديات التي تُعقد في بلادنا, ومنها هذه الندوة الأخيرة التي وُجهت الدعوة فيها لأخي زياد ليفد إليها قادما من مقر عمله في باريس, أسأل أخي زياد إن كان يرى أن تجردي منها هو السبب في غيابي المتواصل عن حضور جل المناسبات الثقافية التي تُعقد في بلادنا وتُوجه فيها الدعوات للمدعوين إليها.. فما أبعدني عن تلك المنتديات هو نفسه ما أبعدني عن الكثير من الصحافة الورقية في بلادنا, التي اختير لها من لا يُريدون الخروج قيد أنملة عن ثقافة اليونسكو والمنظمات السائرة في فلكها , فاعتزازي بما وعيته من معارف الشريعة واللغة وآدابها, والتي تلقيتُ جُلها جثيا على الركب, والمزاحمة على مناهلها فضلا عن الدراسة المنهجية الأكاديمية , لا يعادله إلا اعتزازي بما أخذتُ به نفسي وروضتُها به, وهو ملازمةُ الطلب و التحصيل وتطوير الذات, مما جعلني أتحدث وأقرأ وأكتبُ بعدد من اللغات التي يجهلها الكثيرون ممن لهم اليوم الصدارة, والكلمة الفصل في من يُدعى ومن لا يُدعى, فضلاً عن مكتبة خاصة تعج بذخائر الثقافة والمعرفة تزيد على ستة الآف كتاب,أمضي بها جل ليلي ونهاري... أمّا ما قُلته أخي زياد من خيانتي لك إذ لم أحذّرك من اليونسكو وأنا أعلم عنها ما قلته عنها .. فالجواب الذي أستعد أن ألقى الله به في ذلك هو : أني أعلم علم يقين, أنّ تلك المنظمات العالمية التي تشارك بلادنا في عضويتها, من نافلة القول وجود من يمثل بلادََنا فيها...ويعلم الله مدى ارتياحي وابتهاجي للاختيار الذي وقع عليك عندما اخترت سفيرا ومندوبا لبلادنا في اليونسكو, لا لشيء سوى ما كنتُ أنتظره ولا أزال أُومّله وهو أن تكون أنتَ من يؤثّر في اليونسكو ومواقفها من ديننا وثقافتنا وليس العكس.. فقد ذهبتَ إليها وقد شَبَبْت عن الطوق, ولم تكن غيرتك على دينك يوما موضع ريبة أو شك ...فإن حصل لا قدّر الله ما يُناقض ذلك, فليست لك عصمة الأنبياء, فلا جريرية أو تبعة تلحق, لا من أرسلوك , ولا من علقوا عليك الآمال.. فمن قَبْلُ أمر الله نبيه موسى عليه السلام أن يختار سبعين رجلا من قومه للقائه فما أفلح منهم أحد , وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أبي سرح وهو أحد كتبة الوحي, بعثه إلى مكة ليدعو أهلها إلى الإسلام,فلحق بالمشركين مرتدا, وقد كذب الرَّجَّالُ حين زعم أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إنه أُشرك في الرسالة مع مسيلمة الكذّاب , واختار علي بن أبي طالب رضي الله عنه أبا موسى الأشعري ليحكم له فحكم عليه. لقد تمنيتُ على أخي زياد, وقد دافع عن اليونسكو بما دافع به, أن لا يمر بما نبهتُ إليه من اهتمام تلك المنظمة بكتابات ومؤلفات المشبوهين والضالين وأصحاب الشبه والتركيز عليهم دون سواهم, كالحلاج , وإخوان الصفا, والزنادقة, أن لا يمر على ذلك دون أن يعلق عليه بشيء ينفيه , إن كان لا يزال مقيما على تبرئة تلك المنظمة, فهو بذلك قد أقرّ بصحة تهمتي لها في ذلك . وهنا مسألة لا مناص من توضيحها, وهي: أنه رغم ما قد يبدو من حدّة في بعض مفردات هذا النقاش سواء مني أو من أخي أبي غسّان, إلاّ إني أكاد أجزم أنه أول نقاش من هذا النوع يجري بيني وبين إنسان له مكانة خاصة في نفسي غير متأثرة لا براجماته نحوي, ولا بقذائفي نحوه.. وآية ذلك والبرهان عليه, تبادلنا الطُّرف وإضحاك كل منا الآخر في منتصف الحوار.. فقد صرح أني أضحكته وأمتعته بما زعمتُ من تأثير اليونسكو عليه فيما هجا به السلفية وأبْكَتَ به اعتزاز بلاده بها... فهاهو اليوم يرد إضحاكي له , بإضحاكه لي , حين أقحم اسم جلالة الملك عبد العزيز رحمه الله, باعتباره رحمه الله كما قال أحد مؤسسي اليونسكو.. وما أضحكني هو تذكيره لي بما كان شائعا في بلادنا قبل ثلاثين عاما أو نحوها, حيث إذا أراد أحد أن يُوقع آخر أو يُحرجه يقول له مستنكرا: ( أنتَ تَسُبّ الحكومة ).. حتى إن الحديث عن رئيس بلدية مرتش هو سب للحكومة, وكذلك الحديث عن حفر الشوارع والطرقات العامة هو سب للحكومة....واليوم فإن المواقف العدائية لليونسكو والمعروفة والمكشوفة تجاه الإسلام والثقافة العربية الإسلامية,مسلط على رأسي سوط التهديد إن أنا تحدثت عنه,بالتلويح بذكر اسم الملك عبد العزيز.. لا لشيء سوى أن المملكة العربية السعودية في عهد الملك عبد العزيز طيب الله ثراه, كانت من الدول المشاركة في تأسيس المنظمة الأممية التي تتبعها اليونسكو......هل ذلك يا أستاذ زياد ما تراه مسوغا لمنع الحديث عن تجاوزات تلك المنظمات إن وُجدت؟! إن هذا القول مستكثرٌ من مثلك وأنت مندوب لبلادك في تلك المنظمة ولا تفرق بين مشاركة المملكة العربية السعودية في تأسيس الأممالمتحدة , وبين تحفظها على ما يناقض دينها.. هل الملك عبد العزيز كان موقعا ومقرا لكل بنود ميثاق الأممالمتحدة أم متحفظا على ما يُخالف دينه منها ( أي غير موافق عليها ولا مُلزم بها ) إنّ معظم المنكرات التي يعدها الإسلام من الموبقات مقرةُ ومشجعة من ميثاق الأممالمتحدة, كالزنا وشرب الخمور, وإقرار شذوذ المثليين, فضلا عن اعتبار ذلك الميثاق لتطبيق الكثير من الأحكام والحدود كرجم الزاني وقطع يد السارق من الأمور الهمجية التي لا تتفق مع الحضارة والمدنية ولا ميثاق الأممالمتحدة, الذي يعتبر أيضا تعدد الزوجات جريمة منكرة يُعاقب عليها القانون... فهل بلغك أن الملك عبد العزيز عطّل تنفيذ أحكام الله في المجرمين, أو اكتفى بزوجة واحدة من أجل مراعاة لميثاق تلك المنظمة التي شارك في إنشائها, أومن أجل سواد عيون اليونسكو؟أ وأخيرا فإن أخي أبا غسّان قد ختم رده عليّ بعبارة لطيفة وذات دلالة وهي قوله : ( فأنا وأنت سلفيوا المنهج ، لكن الحماس فقط جعلك تخلط بين المنهج والحزب ) .. وأنا أتساءل : من الذي خلط بين المنهج والحزب.. أنا أم هو.؟!. وهل قادة البلاد الذين أعلنوا ( السلفية ) منهجا يسيرون عليه في أخذهم للدين .. هم من تَخشى عليهم من التّحزب الذي يمقتونه ويحاربونه؟ّ! [email protected]