كان أستاذنا محمد الأمين الجكني الشنقيطي صاحب (أضواء البيان) يدرسنا في كلية الدعوة وأصول الدين بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية مادة " البحث والمناظرة ".. وذات يوم دخل علينا الفصل وكان غاضباً غضباً شديداً, وعندما أكثرنا عليه السؤال في سبب غضبه، قال وأعضاؤه ترتجف وهي الحالة التي تصيبه إذا غضب : إنهم طلبوا منه أن يقابل وفد اليونسكو الذي سيزور اليوم الجامعة, وأنا لا يشرفني أن أقابل وأصافح أولئك الذين وجدوا لينقضوا الدين الإسلامي ويهدموه حجرا حجرا".. وقلنا لفضيلته: إن رسالة اليونسكو وأهدافها المعلنة إنما هي خدمة الثقافة وبث المعرفة والتقريب بين الشعوب.. فقال : بل رسالتها محاربة الإسلام ونشر كل ما يُناقضه ويعاديه ...انتهى.. • وفي نهاية هذا الأسبوع (الأربعاء4:يناير2012) كتب ممثل المملكة العربية السعودية في اليونسكو الأخ الأستاذ زياد بن عبد الله الدّريس مقالة في عموده الأسبوعي بجريدة "الحياة" اللندنية عنوانها " السلفية ..هل هذا وقتها"؟... فمن يعرف كاتب المقال والبيئة التي نشأ وترعرع فيها, سيعرف تمام المعرفة أنّ مثله لن يجادل أو يُماري في التعريف الجامع والمانع ل( السلفية ) وهو : ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته والتابعين لهم بإحسان لن يُخامره أدنى شك في أنّ تلك المقالة التي كتبها زياد عن السلفية إنما هي من تأثير ووحي " اليونسكو" وتأثيراتها على مندوب المملكة العربية السعودية, الذي استكثر على بلاده ومراجعها العليا, أن يرفعوا عقيرتهم جهرا واعتزازا بالإسلام الذي جاء به محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم, وتُمثله الكعبةُ التي جعلها الله قبلة للمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها, ولم يستأمن عليها قيادة وشعباً غير شعب وقيادة المملكة العربية السعودية.. وكل ذلك سيأتي لا حقاً من خلال قراءتنا للمقال. إنّ مخططات وأهداف اليونسكو الرامية إلى تقويض ثوابت ديننا, وعملها الدؤوب في تشويه ثقافتنا, فإن من يطلب البرهان والدليل على ذلك كمن يطلب البرهان والدليل على الشمس في منتصف النهار, فذلك واضح تمام الوضوح من خلال كل المطبوعات الثقافية التي تتبناها اليونسكو أو تساهم في نشرها ك"كتاب الشهر" المشبوه الذي تتزامن بعض الصحف الكبرى في البلدان العربية على إخراجه وتوزيعه بغباء منقطع النظير, وكل مادته موزعة توزيعا مدروساً وممنهجاً على كتابات أعداء الإسلام بمن فيهم الذين اندسوا فيه خلسة بُغية تقويض بنيانه من الداخل ومن غير ريبة تلحقهم, فالتركيز دوماً على الحلولية، وأسماء معينة كالحلاج وإخوان الصفا وغيرهم.. أما في مجال القصة والرواية, فالهدف دوماً اختيار النصوص الإباحية والماجنة, فيكسرون حظر السماح بنشرها وتداولها بنشرها في ذلك الإصدار المسمى كتاب الشهر والذي يوزع بالمجان لغايات وأهداف تسعى اليونسكو على رعايتها وتشجيعها .. مع العلم أن كل الملل والنحل, لا تلقى ثقافاتها من العداء والمحاربة من تلك المنظمة العالمية, ما يلقاه منها الإسلام والثقافة العربية الناطقة بلغة كتاب الله الكريم... فاليهود على سبيل المثال الذين خرجوا اليوم على العالم ببدعة الكيان العنصري الذي أطلقوا عليه مسمى( الدولة اليهودية ) المشيَّدة على أنقاض الوجود الفلسطيني المطرود من أرضه, لن تقرأ لمثقف متأثّر باليونسكو وثقافته شجباً أو تسفيها لتلك الدعوة العنصرية، مثلما تقرأ هذه الأيام الحملة الشّعواء على تأكيد ما تم توكيده من أعلى هامات وقامات قيادات المملكة العربية السعودية من استمساكهم واعتزازهم بالإسلام الذي كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته.. ولو تأملنا هذا الدور التخريبي الذي تمارسه اليونسكو في عداء ديننا وثقافتنا, سنجد فعلَه مماثلاً تمام المماثلة لما يفعله ما يُسمى بصندوق النقد الدولي, بالنسبة لتقويض وإضعاف اقتصاديات بلدان العالم الثالث, التي تأتمر بالمشورة المدمّرة لذلك الصندوق المقفل على الحقد والمؤامرة كتوأمته في مجال الثقافة ومحاربة الإسلام ( اليونسكو ).... وقبل المضي فيما أنا بصدده أحبّ أن أوضّح أنّ أي تعريف للسلفية كما يفهما المستمسكون بها خارج كونها ( ما كان عليه محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم من الفهم للدين وتطبيقه ) فهو تعريف باطل وساقط.. وأتحدى هنا أخي الأستاذ زياد الدّريس (سليل الدعوة السلفية والمتربي في أحضانها ) أن يأتينا بتعريف للسلفية يناقض ذلك أو يزيد عليه. أسلفتُ وجه اتهامي ليونسكو أنّ لتأثيرها أثراً في كتابة أخي زياد لهذا المقال ( الناطق بفكرها ) فالسلفية لو كانت كائناً حياً يمشي على الأرض, لكان البيت الذي ولد فيه زياد وترعرع وتعلم, عضواً من أعضائها, فوالده الأديب والشاعر الكبير الشيخ عبد الله بن عبد العزيز الدّريس هو أحد التلامذة النجباء، لمفتي الديار السعودية الأسبق سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ، الذي هو في الوقت نفسه أحد أحفاد شيخ الإسلام محمد ن عبد الوهاب, وهو نفسه بحسب علمي من كلّف الشيخ عبد الله بن إدريس والد زياد أن يُنشئ مطبوعة متخصصة تنطق باسم العقيدة السلفية( صدرت في منتصف الثمانينيات الهجرية, جريدة أسبوعية باسم " الدعوة " ولا تزال تصدر وقد أصبحت مجلة أسبوعية.. ومن إيغالها وتشددها في فهم السلفية أنها منذ صدورها وحتى اليوم تمتنع عن نشر صور ذوات الأرواح) مع رجوع كثير من علمائنا الإجلاء عن مواقفهم المتشددة في مسألة الصور الفوتوغرافية بعد أن تبين لهم أنها مجرد حبس الظل, وأنها لا تمثل إلا ما يمثله انعكاس شكل المرء وهيئته أمام المرآة. فذلكم هو الجو الذي نشأ فيه ممثل بلادنا في اليونسكو, الذي استكثر في مقاله على بلاده أن تقودها بالأمس طموحاتها الوثابة,إلى الرقي بدول الخليج العربية من مجرد " التعاون" إلى طموحات " الاندماج ".. فيرى سيادته في التأكيد الجديد على الاعتزاز بالسلفية التي هي كما أسلفنا دين الله الصافي من الشوائب، يرى أن ذلك ارتداد إلى الخلف وأنه لا يتناسب مع الطموحات الكبرى كالاندماج بدل مجرد التعاون... وفيما يلي نص ما قاله سيادته بهذا الخصوص : { (العالم يزداد اتحاداَ... ويزداد تشظياَ)، قلت هذا في ختام مقالتي، الأربعاء قبل الماضي، فسألني أكثر من شخص عمّا أعنيه بهذا القول؟! الآن ستصبح الإجابة أكثر سهولة، فالعوالم التي تتجه نحو بناء الترابطات الاقتصادية والتحالفات السياسية هي ذاتها التي تتشظى إلى جزيئات في المجال النووي الإيديولوجي... الماثل للانفجار! سنتناول هنا مثلاََ واحداً، حتى تكون الصورة أكثر وضوحاً. فالمملكة العربية السعودية، الدولة العربية الكبيرة والنافذة سياسياََ واقتصادياََ، يزداد وجودها ونفوذها تضخماً إثر إطلاقها الدعوة إلى (اتحاد خليجي) يجمع النفوذ السياسي المرتكز على القوة الاقتصادية في منظومة واحدة أقوى وأمتن، أو هكذا على الأقل تتمنى هذه المبادرة ونتمنى معها. من جانب آخر، فالمملكة العربية السعودية الدولة الإسلامية الكبيرة أيضاً وذات المرجعية الدينية النافذة بوجود مهبط الوحي والحرمين الشريفين في أراضيها، هذه الدولة الكبيرة تتصاغر حين تستجيب وتنغمس في تشظيات «الحزبية». (الحزبية تجعل الصغار كباراً، لكنها في المقابل تجعل الكبار صغاراً!). أي أن الدولة العربية الكبرى التي دعت، الأسبوع قبل الماضي، إلى الارتقاء بمنظومة التعاون الخليجي العربي نحو «اتحاد خليجي»، هي ذاتها الدولة الإسلامية الكبرى التي دعت، الأسبوع الماضي، إلى الهبوط من دورها المركزي في رعاية الإسلام والدعوة إليه إلى رعاية «السلفية» والدعوة إلى «تبنّي إستراتيجية لنشر المنهج السلفي». تكونت هذه الصورة التجزيئية المتشظية للمملكة، العربية والإسلامية، من خلال الندوة التي عقدت أخيراً في مدينة الرياض بعنوان: (السلفية... منهج شرعي ومطلب وطني). والصحيح أنها «مطبّ وطني» جعل الوطن أصغر بكثير مما هو في حقيقته. ليس جديداً القول إن الوقوع في شرَك التحوّل من الدوائر الكبرى إلى الدوائر الصغرى هو فخ لا نهائي، فكل دائرة صغرى هناك دوائر أصغر منها، وهكذا يستمر التشظي والتضاؤل.لنستذكر معاً الدوائر الدينية التي يمكن المملكة العربية السعودية أن تكون فيها: الدائرة الكبرى هي الدولة الإسلامية التي تحتضن قبلة المسلمين الذين يتجهون إليها من مشارق الأرض ومغاربها خمس مرات كل يوم. الدائرة الوسطى هي الدولة السُّنّية التي تحمي مذهب أهل السنّة وتدعمه. الدائرة الصغرى هي الدولة السلفية التي تتبنى منهج دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب، يرحمه الله. ولأجل هذه المرجعية الأخيرة ينعتها البعض بالدولة الوهابية، ما دعا كثيراً من قادة المملكة ومفكريها إلى مكافحة هذه التسمية المشوهة لدور المملكة كدولة إسلامية شاملة، ومظلة لكل المسلمين أياً كانت مذاهبهم أو طوائفهم أو أحزابهم.) إنّ الطامة الكبرى تتمثل في أن الأخ زياد لديه الاستعداد كما يقول, لتفهم أن تكون هنالك دول تحمل كل منها مسمى مغايرا للإسلام, مثل الدولة الشيعية، أو إخوانية أو الصوفية، ولكن ما يستعصي عليه فهمه هو أن تكون الدولة الكبرى التي هي المملكة العربية السعودية تحمل مسمى السلفية التي قلنا إنّ تعريفها هو ما كان عليه لرسول الله وأصحابه....ولكي لا يكون هذا القول تجنياً على الكاتب الكريم، فإليكم ما قاله بنصه وحروفه : {قد نتفهم أن تكون الدولة الفلانية شيعية ودولة أخرى صوفية ودولة ثالثة «إخوانية»، لكن يبقى من غير المقبول ولا المعقول للدولة التي هي مهبط الوحي الإسلامي الشامل لكل أولئك، أن تكون طائفية أو مذهبية أو حزبية. الدولة التي فيها مكةالمكرمة والمدينة المنورة يجب أن تكون في منأى عن أي تصنيف سوى تصنيف واحد فقط: الدولة الإسلامية الأم. هل رأيتم أمّاً تتشظى وتنحاز إلى أحد أبنائها من دون الآخرين... ما لم تكن أماً غير سويّة؟! }.. المضحك في الأمر وشر البلية ما يُضحك هو أنّ أخي زياد الذي تحديته أن يأتي بتعريف للسلفية يُغاير كونها: ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، يُقرّ أنه مع السلفية وليس ضدها, ولكنه يخشى أن تٌختطف من قبل من يدعونها ويمارسون باسمها أعمالهم الإجرامية, مثل السلفية الجهادية والسلفية الجامية.. وقبل أن أورد نص ما قاله في ذلك، أساله أن يُسمي لي واحداً من علمائنا الأجلاء ورموز الدعوة السلفية في بلادنا ممن يُعتد بقوله, انحرف بالسلفية إلى تلك الانحرافات والمفاهيم المضللة ... وليت أخي زيادا فكّر قبل أن يأتي بذلك المبرر، الذي ناهض به السلفية, لأن الأخذ به, يُوجد مبررا و مندوحة لطامة أخرى أدهى وأمر, وهي : أن لا يقول أحدٌ عن نفسه إنه مسلم, لأن الإسلام هو الآخر مختطف, أما نصّ ما قاله أخي زياد في هذا الصدد فهو فيما يلي: ( أدرك أن منطوق «السلفية» لا غبار عليه من منظور شرعي، لكنني أدرك أيضاً أن كل الحركات الطائفية والحزبية بدأت حراكها بأسماء نبيلة لا غبار عليها، لكن الغبار غطّى كثيراً من أفعالها وتحركاتها. وهو ذاته الغبار التحزبي والإقصائي الذي يصيب «السلفية» الآن، فهذا الاسم الوديع خرجت منه السلفية الجهادية التي تفجر أجساد الناس وتغتالهم في عمليات انتحارية باسم الإسلام، وخرجت منه أيضاً السلفية الجاميّة التي تفجر قيم الناس وكراماتهم، وتغتالهم وهم أحياء، في انتهازية رخيصة باسم الإسلام. ). وأخيرا فإني أسأل اليونسكو، في شخص أخي زياد : ما ذا يُضايقكم في أن تكون المملكة العربية السعودية, التي بأراضيها منزل الوحي ومثوى رسول الله صلى الله عليه وسلم, وقبلة المسلمين, ومهوى أفئدتهم, ماذا يضايقكم أن الإسلام الذي تستمسك به هو نفس الإسلام المنزل من رب العالمين والخالي من شوائب البدع وضلالات المبتدعين ..؟! .. هل تُريدوننا في المملكة العربية، أن نعتزّ ونرفع الرأس عالياً بالخرافات. وسؤال أخير لليونسكو والناطقين باسمها: لماذا أقررتم وارتضيتم للفاتيكان الذي يبعد عن مهد ومولد عيسى عليه السلام أكثر من عشرة آلاف كيلو متر, أن تنطق تعاليمه وقُدَّاساته وصلواته, بما يُمثل كل الكاثوليك في العالم (وهم ليسوا كل النصارى) وتستكثرون علينا اعتزازنا واستمساكنا بالدين الإسلامي الحنيف الصافي والخالي من لبدع والشوائب والذي تُعرِّفه عبارة " السلفية " تعريفاً مختصراً وجامعاً؟! [email protected]