** الكتابة الساخرة من أصعب أنواع الكتابة.. وهي غير الكتابة "الدامعة" أو ما يُطلقون عليها ب "الدراما التراجيدية" فمن البساطة أن تنزل الدمعة الحزينة بقليل من حشدك لبعض الصور - الكارثية - في حياتنا وهي تتوفر هذه الأيام بكثرة.. لكن من الصعوبة أن تنتزع دمعة "الفرح" لهذا نرى قلَّة في الأعمال المسرحية "الضاحكة" أو "الكوميدية". فالإضحاك الحقيقي لا يقدر عليه إلا كاتب صاحب ثقافة عالية.. وموهبة ساخرة مرتفعة اللماحية.. ولعل الأستاذ محمود السعدني "رحمه الله" واحد من أندر "الساخرين" العرب وهو يتكئ في "سخريته" على ثقافة تؤهله لذلك وهو يجمع في سخريته مخاطبة الناس البسطاء.. والناس المثقفين. في السابق كان عندنا الأستاذ أمين سالم رويحي أبو "حياة" الذي كان يُطالع قراء جريدة "المدينةالمنورة" في بداية الثمانينيات الهجرية بحكاياته مع الناس بأسلوبه الساخر.. لقد كان كاتباً شعبياً.. بينما كان الأستاذ لقمان يونس وفي ذات الفترة كاتباً ساخراً.. ولكنها سُخرية تُعنى بالمثقفين وحتى على المستوى الشعري "الساخر" كان هناك مبرزون فيه.. كالدكتور حسن نصيف ومعاركه الشهيرة مع المرحوم الشيخ محمد بادكوك.. الآن اختفت هذه الروح من على صحافتنا.. حيث أصبح اهتمامنا بالمآسي يُغطي على كل نقطة ضوء "ساخرة" لقد "استدار" الزمان.. إلى وجهه البشع بهذه الحالة التي نعيشها.. بعد أن تحولت الأمور من البساطة.. والحميمية إلى هذا العنف والسخط من كل شيء.. والتوجس من بعضنا البعض مع الأسف. إنك تتساءل ما هو السبب في هذه الحال فلا تجد إجابة.. إلا تلك المقولة التي كان يصرخ بها ذلك الرجل "الدرويش" الذي كان يمسح أزقة "المدينة" بثيابه "المرقعة" وهو يقول "فلوس.. خربت النفوس". أو ذلك الذي ينادي الفقر.. دواء يا ناس !!