دعوة كريمة تلقيتها من الأستاذ أحمد بن محمد العقيلي لزيارة جزر فرسان، تزامنت مع مهرجان الحريد السنوي. وبما أنها تأجلت سابقاً فقد كان لزاماً تلبية الدعوة هذه المرة. لقد كانت الصورة التي لا مست ذهني عن جزيرة فرسان تتكئ على معلومات بسيطة إلا أن الدهشة أخذت بتلابيب فكري حين الوصول إلى تلك الجزيرة فقد تخيلتها على مساحة صغيرة محصورة ذات نمط اجتماعي وبيئي معين، لكن بمجرد وصولنا لجزيرة فرسان ومرورنا بشوارعها فوجئت بالواقع الجميل الذي تضاءلت أمامه وتبخرت تلك الصورة القديمة عن هذه الجزيرة وليس من سمع كمن رأى. لقد وجدت شوارعاً منظمة فسيحه ونظيفة، وعدد كبير من الأحياء في محافظة فرسان وقرى كثيرة مجاورة متناثرة هنا وهناك، بعضها أثرية كقرية القصار، وهي قرية تضم بين جنباتها تاريخاً عريقاً قديما وتحكي عادات وتقاليد اجتماعية تنم عن روابط اجتماعية وأواصر قوية، وقد بدأت هيئة السياحة والاثار في ترميم مبانيها ورصف طرقاتها، وهناك قرى لا زال أهلها يعيشون بين جنباتها كقرية السقيد والمحرق وأبو طوق وغيرها، والذي لم أكن اتخيله من قبل هو مساحتها الكبيرة واتساع وكثرة شواطئها الجميلة البكر التي تغري السائح بالوقوف طويلاً فوق رمالها الذهبية النظيفة الناصعة. كما أن فيها مواقع أثرية قديمة كالقلعة العثمانية وغيرها ، كما أن هناك مقابر قديمة طول القبر فيها أكثر من ثلاثة أمتار وليست باتجاه القبلة في إشارة إلى أن هذه الجزيرة كانت مأهولة بالسكان قبل الإسلام بكثير، وجزيرة فرسان تتكون من عدة جزر كثيرة غالبتها غير مأهولة، ومن أهم الجزر جزيرة فرسان الرئيسية التي بها المحافظة وكذلك جزيرة السقيد وأبو طوق وقماح. أما وادي مطر الجميل فتتواجد محمية كبيرة للغزلان كما لوحظ وجود عدد من الصقور. وللهيئة العامة لحماية الحياة الفطرية تواجد وحضور في هذه المنطقة للمحافظة على هذه الثروة. ونظراً لما تمتاز به الجزيرة من مقومات سياحية طبيعية فإن على الهيئة العامة للسياحة والاثار أن تلتفت إلى هذا الكنز الكبير الذي تضمه هذه الجزيرة وتوليه عنايتها واهتمامها لأن ذلك سيجعلها منطقة جذب سياحية ليس لسكان المملكة وحسب بل لكل من يطلب السياحة النظيفة، بوصف أن السياحة أصبحت صناعة ورافد قوي للدخل القومي، فكم من مليارات تذهب سنوياً خارج البلاد في مجال السياحة . من الملاحظ في الجزيرة عموماً الغلاء الفاحش جداً في أسعار مواد البناء، فمن يسمع بذلك يقطع بعدم وجود أي مباني حديثة، فسعر حمولة القلاب من البطحاء يصل إلى أربعة آلاف ريال بينما من المعلوم أن قيمته في جدة مثلاً لا تتجاوز ثلاثمائة ريال، ومع ذلك فلم يثن أهل فرسان أو يحول دون قيامهم ببناء مساكن حديثة وجميلة. أما مهرجان الحريد السنوي فهو حكاية جميلة ولوحة شعبية رائعة تتجلى فيها طبيعة المكان والناس، ففي كل عام يقام هذا المهرجان تحت رعاية واهتمام أمير المنطقة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن ناصر بن عبد العزيز، ويتزايد عدد الحضور والمشاركين فيه من سنة إلى أخرى. ويصاحبه بعض الاحتفالات الأخرى كسباق القوارب الذي يقام في اليوم السابق عن مهرجان الحريد، وكذلك حفل خطابي يقام مساء وفي اليوم الثاني احتفالية المهرجان الرئيسي لسباق صيد الحريد. وللمعلومية فإن الحريد يأتي في موعد محدد من كل عام من الهند إلى شاطئ حصيص بفرسان ويختار هذا الشاطئ دون غيره فيتواجد فيه عدة أيام محددة من السنة يتم فيها إقامة مهرجان لصيد الحريد. يحظى باهتمام من أهالي منطقة حيزان عموماً ويكون الحضور كبيراً وبخاصة أنه تحت رعاية أمير المنطقة. بيد أنه من الملاحظ أن المنظمين لهذا الحفل لم يراعوا الكثافة الجماهيرية الكبيرة في ترتيب وتهيئة أماكن جلوس مناسبة لهم سواء في سباق الفلوكات (القوارب) أو الحفل الخطابي أو سباق صيد الحريد فلوحظ وجود أعداد كبيرة لا تجد مقاعد ولا أماكن مناسبة للجلوس ويبقى هؤلاء واقفين تحت لهيب الشمس، والخيام المخصصة للمتسابقين لا تسمح باستيعاب المتسابقين كلهم فضلاً عن الجماهير مما يقلل من متعة المشاهدة لهذه الاحتفالية،علماً أن الموقع الرئيسي الذي يتواجد فيه كبار الضيوف لا يستوعب إلا عدد قليل الأمر الذي يتوجب على منظمي المهرجان مراعاته في السنوات القادمة. وخلال تواجدي في هذه الجزيرة الجميلة والالتقاء ببعض أبنائها فقد لمست إن حلمهم الكبير هو إقامة جسر بين جيزان وفرسان، فالعباراتان المتواجدتان لنقل الركاب والسيارات لا تمنح الحرية لحركة الأهالي. فضلاً عن غلاء مواد البناء عالية التكلفة وحتى يتواصل أهل الجزيرة مع بقية المناطق بكل يسر وسهولة. فالجسر هو الحلم المنتظر، وإذا أريد لهذه الجزيرة أن تكون منطقة سياحية كبيرة فإن وجود الجسر يدعم هذا الاتجاه بصورة كبيرة. وهو أمل أهالي فرسان ليربط هذه الجزيرة ببقية مناطق المملكة براً. أخيراً فأنني اقدم شكري الجزيل للأستاذ أحمد العقيلي الذي أصر على زيارتي لهذه الجزيرة كما أن الشكر والعرفان موصول لكل من الأستاذ أحمد نسيب المدرس بمتوسطة فرسان وكذلك الأستاذ علي النجدي مدير شؤون الموظفين ببلدية فرسان على حسن الضيافة والكرم، والجهد المبذول لتعريفي على المواقع الهامة بفرسان. اللهم أحفظ لهذا البلد أمنه ورخاءه في ظل القيادة الرشيدة . ص.ب 14873 جدة 21434فاكس : 6534238 [email protected]