تعيش دول الخليج العربي مرحلة الخيارات الاستراتيجية الصعبة أمام كل من إيرانوالولاياتالمتحدةالأمريكية من خلال الصراع القائم تجاه التسلح النووي الإيراني الذي يتزايد باتجاه التصعيد نحو حرب محتملة. ورغم التطمينات التي حرصت الدبلوماسية الإيرانية أن توزعها على دول المنطقة إلا أن هناك تجارب مع الرئيس العراقي السابق صدام حسين الذي كان يسير في نفس الاتجاه وأقنع هذه الدول أن مشروعه للتسلح لن يكون ضد دول الجوار .. ولكن سيكون ضد إسرائيل، ثم قام بعدها بحرب إيران ثم الاتجاه إلى الكويت في المرحلة الثانية. هذه التجارب لا يمكن أن نغفلها من الهاجس الأمني لدول الخليج العربي تجاه إيران مهما كان حجم التطمينات الإيرانية، ذلك لأن من أحرقته "الشوربة ينفخ في الزبادي" خاصة وقد أصحبت طهران لاعباً رئيسياً ومنافساً لأمريكا في الميدان السياسي العربي، ثم إن الرئيس الإيراني أعلن أنه لن يمثل خطراً على إسرائيل وبالمقابل فإن الولاياتالمتحدةالأمريكية التي تقود حرباً باردة ضد إيران قد وجدت فرصة ثمينة لتكريس سياستها في المنطقة الهادفة إلى استراتيجية خطط التغيير بعيدة المدى التي تعزف الإدارة الأمريكية على وترها مبررة استمرارها للبقاء في المنطقة بحماية مصالحها مع الدول المجاورة لإيران بما في ذلك دول الخليج العربي التي تربطها مصالح اقتصادية مع الولاياتالمتحدةالأمريكية، ولابد أن تتوفر لهذه المصالح خاصة النفطية منها حماية عسكرية قادرة على الردع النووي.. كما أن بعض هذه الدول الخليجية الصغيرة لا تمتلك القوة الفاعلة التي تمكنها من الدفاع عن نفسها حتى ضد الأسلحة التقليدية، غير أنها أي دول الخليج العربي ترفض بالمقابل المشروع الأمريكي المعروف بالشرق الأوسط الجديد على حساب استقلالها وسيادتها ومبادئ وجودها، وهذه خطوط حمراء لا يمكن تجاوزها أو التنازل عنها مهما كلف ذلك من ثمن. وهنا يمكن القول : إن دول المنظومة الخليجية تتعامل مع الملف الإيراني من جهة والملف الأمريكي من الجهة الأخرى، فمن خلال الأول تريد الاحتفاظ بعلاقات جيدة مع إيران كدولة مسلمة ومجاورة ذات قوة استراتيجية ومؤثرة أمام إسرائيل وقوتها النووية ولكن ليس ضدها في يوم من الأيام، في حين تتعامل هذه الدول مع الملف الأمريكي بدبلوماسية هادئة تتجنب من خلالها محاولة الهيمنة الأمريكية وإنهاء الصراع القائم بالشكل الذي لا يؤدي إلى حرب جديدة في المنطقة ودون مشاكل تصل إلى حد الخلافات الحادة مع واشنطن التي قد تستغلها بشكل يؤدي إلى تنفيذ مشروعها المزعوم، وهنا يمكن القول: إن دول الخليج العربي تعيش خيار التوازنات السياسية الهادئة.. والمتطلبات الأمنية للمرحلة القادمة في مسارين متوازيين، خاصة أن هذه الدول قد بدأت مرحلة طموحة نحو خطط التنمية والإصلاحات السياسية والاقتصادية مستغلة بذلك ارتفاع أسعار النفط لتجاوز مرحلة الركود. وبالتالي فإن هناك احتمالاً أن تتحول لعبة القط والفأر في الملف النووي الإيراني إلى فرصة ثمينة لأمريكا لغزو إيران بنفس سيناريو غزو العراق، تحت ذريعة السلاح النووي وهو ما يجب أن يدركه الرئيس الإيراني المتحمس جداً. لإسقاط الرهان الأمريكي المتحمس أكثر لتدمير إيران.