"الديبلك" هو الاسم الذي تعودت وأخي الأستاذ سامي خميس أن نكني به صديق العمر محمد صادق دياب، وقد كان والأستاذ سامي لا يفترقان إلا نادراً مع أن هناك اختلافاً كبيراً بينهما في النظر للحياة والتفاعل معها فالدياب وشخصي الضعيف أولاد حارة بالرغم من أن أبناء أسرتي كلهم أولاد خرقة وكذا كان أخي سامي، وكثير من أبناء هذا الجيل لا يعرفون معنى ولد الحارة وولد خرقة، فولد الحارة مثل أخي محمد صادق وشخصي يبحثان عن أماكن المزامير وملاعب الطفولة التي فيها مضاربة أو "كريسي" كما كنا نسميها، ونذهب إليها من حارة لحارة ومن زقاق لزقاق أثوابنا حالتها حالة أزاريرها مقطعة ورجولنا سوداء من التراب وكوفيه مطرطرة وسروال طويل حالته حالة شكل واحد خارج من معارك مستمرة وهيامه وكلام واقف وتعابير سوقية وشتائم منيلة وفي هذه اليد جرح وفي الرجل تعويرة وفي الرأس حومة وقوبة، وشيء أجاركم الله لا يسر عدو ولا حبيب أما ابن الخرقة فهو ذو هندام جميل وثوب مكوي وكوفيه زري وغترة مرتبة وسروال منشى ومداس أو كندرة جميلة وكلامه جميل ومن البيت للمدرسة وإذا نزل السوق نزل مع أخوه أو أبوه وتشم رائحة الكلونيا والصابون فايحة منه مش مثلنا تشم فيه ريحة البهيمة اللي كان راكبها، هكذا كنت وكان الديبلك يرحمه الله فهو بطيعة الحال أكثر مني بلدية لأن عائلته كانوا من أهل البحر أما أنا فكنت أذهب مع عباس أبو صفية في السنبوك حق والده رحمه الله كما كنت أذهب مع أولاد عم محمد سلامة للميناء خاصة أيام الحج. هكذا كانت طفولتنا عشنا مع كل فئات المجتمع الذي كنا فيه ففي مدرسة الفلاح كانت هناك لنا صولات وجولات وفي زقاق المضاربة كان لنا بطولات وبالطبع لم نصبح عربجية فقد تعلمنا وتخرجنا من المدارس ثم كنا في الجامعات ثم الدراسات العليا ومع كل ما تعلمناه ظللنا وفي داخلنا ذلك الفل الحاروي الشقي يعيش فينا بكل معانيه السامية. فإن الحاروي لا يكذب لأنه لا يخاف، ولا يسرق لأنه لا يهمه شيء في سبيل العمل، ووفي لأنه يعتبر أهل الحارة كلهم أهله وعرضهم عرضه، ولا ينسى أحبابه أبداً، ويعطف على الفقير ويساعد المحتاج، ولا يشكي لأحد لأن الشكوى لغير الله مذلة. ويحب كل حجر وكل أرض وكل مكان في حارته وبيته ولا ينسى حتى رائحة مدينته وأزقتها حياة مع كل ما هو حوله من كائنات حية أو جمادات وهكذا كان أخي أبو غنوة لا يكذب لا يخاف لا يسرق وفي ودود مساعد للغير عطوف على المساكين لا يشتكي إلا لله عاش مجاهداً في صغره وحتى آخر لحظة في حياته ليثبت أن ابن البلد قادر ومؤهل ليكون علم ومبدع سواء سواء في الأدب أو العلم أو العمل قادر على كل شيء إذا أعطي الفرصة فهو صاحب إرادة وكذا كان محمد صادق دياب مبدعا وقادرا ورائعا وابن بلد قُح رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته وعزائي لكل جداوي ولكل جدة وحوائرها القديمة وعزائي لكل من عرف الدياب فموته خسارة كبيرة علينا جميعاً كما هي خسارة عظيمة لأسرته الطيبة (إنا لله وإنا إليه راجعون). وكما كنا نقول في الحارة ونردده دوماً مع الدياب عندما يهم أحدنا بالرحيل "توا ما حلي يا بو غنوة". لا حول ولا قوة إلا بالله.