في بداية العمر .. كان يحلم أن يكون كاتبا يهوي بقلمه على جبال هموم الناس فيدكها . كان يطمح بيدٍ أطول يستطيع مدها نحو الأفق وأبعد من حدود الرقص على أشلاء الوجع ، أراد أن يكون جرعة أمل تشرق من بين ركام الكوابيس وتقيء الكآبة . ولكن أحلامه اُغتيلت بهدوء على مكتب رئيس التحرير الذي حملق فيما كتب وقال بهيبته المتراكمة عبر كل تلك السنوات : أظنه جيداً ولكنه اسم غير معروف .. لا أستطيع المجازفة ومنحه مساحة من الفضاء الأبيض لا تتجاوز الأربعمائة كلمة .. فقط لأنه ولد باسم لا يعرفه أحد. عند منتصف العمر .. يسأله صديقه الذي طالما شجعه على مواصلة أحلامه : هل مازلت تنظم أحلامك بعقد ياسمين تلفه حول عنقك ؟ فتذكر عبدالجليل الغزال في رواية حافة النسيان وهو يقول :لم أعد أذكر أحلامي . ربما لأنها ليست ذات شأن في نظر الذين لا يؤمنون بأن نصف العمر ينقضي ركضا خلف أحلام مشروعة . قتل الأحلام أمر في غاية البشاعة لأنك ستخلف عبر الأيام شخصاً أشبه بشبح الليل الذي يدمن الظلام وما أن تقع عليه أشعة الصباح الدافئة حتى يتبعثر ويصبح مجرد لا شيء. قبل الوداع .. أجمل ما في هذه الحياة أن تبقى ممسكا بآخر بقايا الأمل .. أن تعارك أسنة اليأس في نظر الآخرين بحالة من الرضا والكفاح من أجل البقاء على قيد الحياة . والأجمل من كل ذلك أن تمتد لك من خلال أمواج التيه أشرعة بيضاء تعيدك لشاطئ النور .. بعد الوداع .. كتب على ورقة وجدها ملقاة إلى جانب قدميه : من سيحاكم قتلة الأحلام ؟ ومن ثم اختفى بحثوا عنه طويلا ولكنهم لم يجدوه .. يقولون إنهم وجدوا أوراقه وقلمه في مكان مجهول لقد كانت كل الأوراق ناصعة