كانت السياسة في لبنان، رغم كل ما أعتورها من عيوب ، تفخر بديمقراطية ظاهرية يحفظ التوازن فيها وجود طوائف متغايرة دينا ورؤى، ولم يكن متصورا قط أن تسيطر طائفة فيها على بقية الطوائف الأخرى، ولا أظن أن هذا متوقع ان يحدث اليوم، فاستغلال طائفة من هذه الطوائف المكونة للشعب اللبناني بالقرار السياسي فيه مستحيل على الاقل في ظل الظروف المحيطة به عربيا واسلاميا ثم عالميا، وقد كان في الماضي تقاسم المناصب الاساسية للدولة الحديثة في لبنان بين طوائفه الكبرى الثلاث "المسيحيون والسنة والشيعة" مع شيء من الصالحيات المقبولة ضماناً لاستمرار التعايش فيه، واراها اليوم تنقلب الى سبب للتناحر بين طوائفه ، الذي قد يؤدي الى مالا تحمد عقباه على ساحته ، فالاستقرار السياسي الهش بدءاً من التفكك بفعل أزمة مصطنعة ، فمنذ وقوع جريمة مقتل رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري، وما تلاها من جرائم ، اختلفت الصورة، وتجاذب السياسة طرفان لايسعى أي منهما الى صنع توازن يحمي لبنان من الانزالاق الى الفوضى، ويحمي مشتركاً يمكن ايجاده بينهما، حتى ولو لم يكن سوى درء المخاطر عن تعايش سلمي بين الطوائف الذي صنعته من قبل بالدماء والدموع، والطرفان قادران على صنع ذلك لو خلصت النيات ، فلا جريمة في الدنيا ستبقى حقائقها مغيبة، لأنه حتما لا توجد جريمة كاملة، يمكن للمجرم فيها إخفاء معالمها، ومن ثم ان يدرأ عنه العقوبة، فغالب الجرائم يكتشف فاعلوها حتما طال الزمن أم قصر، فلا استعجال كشف خيوط الجريمة سيؤدي حتما الى اكتشاف فاعلها، ولا الركون إلى عدم البحث عنها سيخفى من ارتكبها، فالمجرمون دوماً تقود اخطاؤهم اليهم ، فهم ولا شك ينبئون عن انفسهم ، بما يرتكبون فمن أخطاء متلاحقة ، ولعل هذا الاضطراب الذي يعتري الحياة اليوم في لبنان مما يجعله ساحة مفتوحة لكل التدخلات من الخارج، سيسرع اكتشاف من ارتكب كل هذه الجرائم في لبنان، ولاشك ان هذا الاكتشاف سيريح الجميع، لأنه حتماً سيزيل هذا التعلق بهذه القضايا وسيصفيها عندما ينال المجرمون العقوبة العادلة، ومالم يحدث ذلك ستظل لبنان على صفيح ساخن، لا أحد يدري أين يسير، فهل يفطن اهله لذلك، ويدركون ان غياب العدالة كارثة تحل بالوطن واهله، هو ما نرجو والله ولي التوفيق.. ص.ب 35485 جدة 21488 فاكس: 6403436