لبنان البلد العربي، الذي وهبه الله تعالى طبيعة ساحرة، أنا من عشاقها، ومنحه فسيفساء بشرية مختلفة الأديان والمذاهب، ليمتحن أهله أيستطيعون ان يتعايشوا، فيضربوا المثل للجميع في القدرة على نشر السلام على ربوع وطنهم، فينعمون بما وهبه الله من هذه الطبيعة الساحرة، وهذا التنوع المثري، والذي صنع صنع ثقافة لبنانية متميزة، تقدر الحياة بل وتصنعها، رغم كل ما جرى على أرضه من هذه الحروب البشعة، والتي لم ينتصر فيها ولن ينتصر سوى الذين لا يحبون للبنان وأهله الاستقرار، وأن ينعموا في ظلاله الوارفة في الجبل والسهل، وعلى ضفاف النهر وعلى شاطئ البحر، ان حرباً أهلية أذاقت اللبنانيين آلاماً آلاماً، لا اظن ان احداً منهم قد نسي مرارتها، ولا اظن احداً يفكر في تكرارها، إلا ان يكون قد فقد اهتمامه بالحياة اصلاً وكان من عشاق الانتحار، وحينما وقع الحدث الجلل، واغتيل رئيس الوزراء رفيق الحريري رحمه الله، ومعه سبعة من رفاقه، ثم لحق بعد ذلك اغتيالات أخرى لشخصيات سياسية ووطنية عديدة وضع العقلاء أيديهم على قلوبهم خشية أن تندلع حرب أهلية جديدة وحمدنا الله أن وفق اللبنانيين وعلى رأسهم عائلة الشهيد الحريري، لتدارك الخطر والامساك بزمام الامور حتى لا يؤول الامر الى فوضى، ثم ثار الخلاف بين السياسيين حول مسألة بقاء الجيش السوري في لبنان أو رحيله، ورأينا تبعات هذا الخلاف أربع سنوات من شلل الحياة في الساحة اللبنانية، تعطل على إثرها كل شيء فيه، ثم هدأت العاصفة نوعاً ما، وجرى اتفاق بين الساسة على اجراء الانتخابات النيابية، وتألفت للبنان حكومة وطنية، مثلت فيها كل القوى الوطنية والسياسية المتنافسة، ولم يقص عنها أحد، وتنفس اللبنانيون الصعداء، وظنوا أن العواصف السياسية قد هدأت، وأن أوان العمل من أجل أن يستعيد لبنان عافيته قد أقبل، ولكن الأمر لم يلبث أن ثار الخلاف مرة أخرى، وكان هذه المرة على قرار لم يصدر بعد عن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، والتي وافق على تشكيلها الجميع، وأخذ الخلاف يتصاعد، وحاول عقلاء العرب أن يجدوا حلاً يجمع اللبنانيين على مصلحة وطنهم، ويحقق في ذات الوقت العدالة، وقاموا بجهد مشكور، ولكن الخلاف لم يهدأ، وتجدد بأشد مما بدأ وارتفعت حدته، ومن استمع الى السيد حسن نصر الله أثناء مؤتمره الصحفي الذي عقد في 9/8/1431ه أدرك أن لبنان تجتاحه عاصفة هوجاء قد تقتلع كل ما بقى له من استقرار في الخلافات المستمرة والمتصاعدة، والتي حتما لن يكون حلها عن طريق إهدار دم المغتالين من أبناء لبنان، فهذا لن يرضي أهليهم، ولو كان ثمنا لاستقرار يدرك الجميع أنه لن يتحقق عبر تسوية كهذه، مادامت النفوس مشحونة بهذا القدر من الكراهية المتبادلة التي بدأ يدركها الجميع، كما أن البحث عن كباش فداء، ولو لم تكن لها يد في الجرائم التي وقعت، لن يريح نفوس من فقدوا أحبابهم، وسيثير من وراء المتهمين من أقربائهم وأنصارهم، وسيقع التنازع بصورة اشد مرة أخرى، ولو تأكد أن اسرائيل هي من قامت باغتيال الشهيد الحريري ووفاته، ومن اغتيل بعد رحيله، لكان في ذلك ما يريح الجميع، ولكن دون هذا من العوائق ما لا يتصور معه، اثبات شيء كهذا قانونيا، إلى أين يسير لبنان في ظل هذه الأوضاع، وهو البلد الذي لن يكتب له الاستقرار أبداً، وفريق من أهله يستقوي على فريق منهم آخر ، حتى ولو كان ذلك عبر التهديد بالسلاح ، والقدرة على التنفيذ، فمثل هذا التهديد قد نفذ من قبل وخسر الجميع المعركة، فلم يبق سوى أن يثق الجميع في الجميع، فتبادل الثقة والاتفاق على البحث عن الحقيقة حتى الوصول إليها، هو ما سيجعل النفوس تهدأ، فلا يبرأ أحد قبل أن يحاكم، ولا أن يحكم على بريء قبل أن تثبت إدانته، فما يجري على الساحة اللبنانية اليوم يشعر كل محب للبنان بالخوف عليه وعلى اهله فهل يدرك هذا اللبنانيون هو ما أرجو. والله ولي التوفيق. المدينة والجائزة ويسعدني في ختام مقالي اليوم أن أزجي التهنئة خالصة لجريدتنا المدينة ولكل منسوبيها بمناسبة حصولها على جائزة المفتاحة لهذا العام 1431ه وتوالي الجوائز على مؤسسة المدينة يدل دلالة واضحة على انها تواصل عملا جاداً مبدعا تستحق عليه كل هذا التقدير. ص.ب 35485 جدة 21488 فاكس 6407043 [email protected]