في البلدان ذات الطوائف المتغايرة ديناً، كمعظم بلداننا العربية والاسلامية، ثبت بالتجربة المعاشة عبر العصور انها لا تستطيع ان تلغي الواحدة منها الأخرى، حتى لو كانت من تسعى إلى الغاء الاخرى اكثر منها عدداً، أو انها تملك من المقومات ما نظن انها به تستطيع التغلب على من اعتبرته لها عدواً من الطوائف الاخرى، فتلك مشيئة الله في الأزل اليس يقول ربنا عز وجل:(ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين* إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس اجمعين)، وقد مرّ في تاريخنا البشري حوادث كارثية، ظن فيها اتباع دين أنهم قادرون على الانتصار على من يعيشون معهم على ذات الارض والغائهم تماماً، ولم تعقب سوى آلاماً بقيت آثارها في نفوس من عانوها، وتولد معها عداوات تغذيها كراهية وبغضاء، يسعى اليها المتعصبون من كل الطوائف الدينية، فالمسيحيون في الشرق يوم ان جاء الصليبيون ليحتلوا الارض المقدسة في فلسطين، ظنوا انه يمكنهم الغاء المسلمين وطردهم على الاقل من ما اعتبروه لهم وحدهم مقدساً، وهو بيت المقدس، واثبتت الاحداث ان ذلك مستحيل، ولم يمض إلا زمن يسير حتى استعاد المسلمون المدينة وكل أرض وطأتها اقدام الصليبيين، وكانت الخسارة الفادحة في ارواح أزهقت من الطرفين، اعقبت في النفوس آلاماً قادت الى توجس دائم بين الطرفين، وحينما ظن بعض المسلمين عند عودتهم إلى الارض المقدسة في فلسطين انه يمكنهم الغاء مساكنيهم من المسيحيين واليهود، اثبتت الاحداث ان ذلك مستحيل، وليس اليه البتة سبيل، كذا عندما تعرض الدروز لحملات عسكرية وحروب ضروس لالغائهم وانتزاعهم من أوطانهم، فشلت تلك الحملات، واعقبت الآلام وبثت الكراهية بين من يعيشون في وطن واحد، وهكذا بقيت الاديان واتباعها يعمرون الارض التي يسكنها العرب، واجناس اخرى من أمم مختلفة في الاقطار العربية والاسلامية، واظنه يستمر حتى تقوم الساعة، ولن يستطيع أحد مهما كانت قدراته وطاقاته ان يغير هذا الوضع، ولا يبقى حينئذ سوى ان يتفق الجميع على التعايش بينهم، رغم اختلاف اديانهم، وان يتقوا ما يحدث الشرخ في علاقاتهم الوطنية ببعضهم، المبنية على أسس صحيحة من هذا التعايش، الذي يستبقي لهم السلم الاجتماعي، ويقضي على كل اسباب للالغاء او الاقصاء، وان يتفقوا على ان لكل منهم دينه، فيعظموا المشترك بينهم، وهو عادة لمن يعيشون على ارض واحدة كثير جداً، وان يتجنبوا طرح المتناقضات دينياً علناً، حتى لا تكون مدعاة إثارة صراع بين العامة، وان ينزل للمحافل العلمية والدينية لكل طائفة معالجة هذا الامر وبالطريقة التي تناسبها، وقد استطاعت من قبل الطوائف الدينية التعايش في كثير من بلداننا العربية والاسلامية أزماناً طويلة، ولم تحدث بينهم المشكلات الا عندما احتلت بعض الرؤوس أوهام التعصب، التي لا تصنع سوى الهزائم والفتن، فما حدث مؤخراً في العراق ومصر من عدوان على دور عبادة المسيحيين انما هو افراز تعصب مقيت نال بعض النفوس، المستعدة اصلاً لمثل هذا الاستهواء، فلا علاقة لمثل هذا بالدين اصلاً، ولعل وراءه تخطيطاً محكماً للعب على الفروق بين الناس دينينا، وهذا التخطيط لم يقتصر على هذا الفرق الديني بين المسلمين والمسيحيين، بل وتعداه الى اديان اخرى، بل وزرع الفتن بين فرق الدين الواحد ومذاهبه، نجد هذا بين فرق المسيحيين المختلفة، والذي يبلغ احياناً حد شن الحروب في ما بينها، وليس عنا ببعيد ما كان يجري على أرض ايرلندا، كذلك ما يجري اليوم على أرض العراق وباكستان بين السنة والشيعة،، ولعل هذا التخطيط تشترك فيه قوى عالمية لها مصلحة في عدم استقرار بلدان بعينها، تساندها قوى محلية لها نفس المصلحة، وإن ارتدت احياناً رداء الدين زوراً، وهذا اللعب على الفروق الدينية خطر جداً لن ينجو منه أحد، ولا يظنن أحد انه موجه للاقليات الدينية فقط، بل لعله الوسيلة الاسهل للاقتصاص من الكثرة، حيث تسلط عليها الاضواء عند كل حدث كهذا، وتتهم بانها تضطهد اقلياتها، فيكون حينئذ للقوى العالمية المهيمنة اليوم على العالم ان تتدخل، لتنصف بزعمها المظلوم وتنتصف له من الظالم، فتخضع الجميع لسيطرتها، وحيثما عَنَّ لأحد ان يخرج عن سيطرتها المحكمة سلطت عليه الاضواء، وأعدت قائمة التهم الجاهزة دوماً، والمعدة سلفاً، بدءاً من من انتهاك حقوق الانسان والجرائم ضد الانسانية، وتصعد حتى تبلغ حد الاتهام بالابادة الجماعية، فهل نفطن الى هذا، هو ما ارجو والله ولي التوفيق. ص ب 35485 جدة 21488 فاكس 6407043 [email protected]