منذ سنوات كنا في لجنة مهتمة بالبحث العلمي في الجامعة، وسأل أحد الحاضرين: هل عند أحدكم فكرة جديدة يكون فيها منفعة كبيرة للمملكة؟ فأجبته: عندي مشروع أراه مهماً جداً! فسأل: وما هو؟ فقلت: الحكومة الإلكترونية. فوجم جميع الحاضرين، ثم اخترق الصمت أحدهم وقال: لا نريد أن نتدخل في عمل الحكومة! قلت: هذا عمل علمي لا علاقة له بعمل الحكومة، إنما يتعلق بالأعمال الإدارية في المكاتب الحكومية، ويقضي على البيروقراطية، ويجعلك تنجز معاملاتك لدى أية إدارة حكومية، وأنت جالس في مكتبك أو بيتك. كل ذلك من خلال الحاسوب والإنترنت. واستطردت: لدينا فرصة ذهبية وهي إمكانية تطبيق المشروع على إدارات الجامعة، ثم نقدمه إلى الجهات المختصة على مستوى المملكة لتتبناه. فقال أحد الحاضرين: ألا يمكن تغيير مسماه؟ قلت: يمكن، لكن اسمه بالإنجليزية e-government، وأي تغيير قد لا يعطي المعنى المقصود. ولما لم ينل المشروع إعجاب الحاضرين تناسيته. وها هي الحكومة الإلكترونية تحيط بنا من كل جانب، لكننا مازلنا في البداية، فلا أحد يستطيع أن يتكهن إلى أين ستصل تطبيقاتها، وكم ستوفر من أوقاتنا، فننجز أعمالنا ونحن ننعم ببرودة المكيف، وفي أي وقت نشاء، بدلاً من الوقوف في طوابير تحت لفح الشمس أمام باب هذه الإدارة أو تلك، أو أمام الموظفين الذين نسي بعضهم أن ولي الأمر وظّفهم ليخدموا الناس ليسهلوا أمورهم. ومن أهم مزايا الحكومة الإلكترونية أن دوامها ليلاً ونهاراً. في منتصف السبعينيات من القرن الماضي قرأت مقالاً لكاتب بريطاني، ولم يكن الحاسب الشخصي قد ظهر حينها، إنما كنا نستخدم الحاسب الضخم الذي كان يحتضنه مبنى خاص به، كتب يقول: سينقسم الناس إلى مجموعتين: الأولى تعمل في تطوير الحاسب، والثانية تنعم بما يقدمه الحاسب من خدمات. وهاهي نبوءته تتحقق. منذ أكثر من عشر سنوات كتبت مقالاً في جريدة الحياة عن التجارة الإلكترونية وإعادة هندسة نظم العمل لتتلاءم مع العالم الافتراضي. صحيح أن التجارة الإلكترونية تختلف عن الحكومة الإلكترونية في أشياء كثيرة من أهمها أنك في عالم التجارة إذا لم تعجبك شركة تتجاوزها إلى غيرها، أما إذا لم تعجبك الإدارة الفلانية فليس هناك غيرها، لكن مازال هذا يتطلب أن يتم الانتقال إلى الحكومة الإلكترونية بطرق إبداعية مع إعادة هندسة نظم العمل. فمثلاً آن الأوان لأن تحذف الجهات المختلفة اشتراط حسن السيرة والسلوك ممن يتقدم للعمل أو للدراسة. وسبق لي أن حسبت كمية الورق المستخدَم لحسن السيرة والسلوك سنوياً فوجدتها بالأطنان. ويقول بعض الناس: ليس كلنا يستخدم الحاسب والإنترنت، فكيف ننجز معاملاتنا؟ وأقول: هذه فرص عمل جيدة للشباب ليفتتح مكاتب برأسمال بسيط لإنجاز معاملات الناس لقاء أجور معقولة. إنه عصر المعقب الإلكتروني فلا يسبقك إليه أحد. كلية الهندسة، جامعة الملك عبد العزيز [email protected]