خرج أبو ذر رضي الله عنه إلى معاقل السلطة والثروة في الشام، يغزوها بمعارضته ..معقلاً .. معقلاً .. وأصبح في أيام معدودات الراية التي التفت حولها الجماهير والكادحون، حتى في الأقطار النائية التي لم يره أهلها بعد، طار إليها ذكره ، وأصبح لا يمر بأرض، بل ولا يبلغ اسمه قوماً إلا أثار تساؤلات هامة تهدد مصالح المستغلين من ذوي السلطة والثراء غير المشروع وحب الذات وتأليه النفس الأمارة بالسوء.. وكان أبو ذر يلقى على الجموع حوله عندما جاء بلاد الشام نظرات فاحصة، فيرى أكثرها ذوي حاجة وفقر، ثم يرنو ببصره نحو المشارف القريبة فيرى القصور والضياع ثم يصرخ في الحافين حوله قائلاً: «عجبت لمن لايجد القوت في بيته.. كيف لايخرج على الناس شاهراً سيفه». ثم يذكر من فوره وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يضع الأناة والحكمة الهادية مكان الانقلاب، والكلمة الشجاعة مكان السيف فيترك لغة الحرب هذه ويعود إلى لغة المنطق والإقناع، فيعلم الناس أنهم جميعاً شركاء في الرزق، وأنه لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى، وأن أول القوم هو أول من يجوع إذا جاعوا، وآخر من يشبع إذا شبعوا.. !!.. لقد قرر أن يكوّن بكلماته وشجاعته رأياً عاماً في كل بلاد الإسلام يكون له من الفطنة والمناعة والقوة ما يجعله معلماً لكل مسلم، وما يحول دون ظهور طبقات مستغلة للحكم أو نهازة تسرق أموال المسلمين.. ذلك رجل لايريد غرضاً من أغراض الدنيا، ومن ثم أفاء الله عليه بنور البصيرة، ومن ثم مرة أخرى أدرك ما تنطوي عليه الفتنة المسلحة من وبال وخطر فتحاشاها، كما أدرك ما ينطوي عليه الصمت من وبال وخطر فتحاشاها أيضاً، ورفع صوته - لاسيفه- بكلمة الحق ولهجة الصدق، لا أطماع تغريه ولاعواقب تثنيه.. لا ترغيب يتملكه ولا ترهيب يكرهه. ومرة ثانية نقول لسنا في مجال المقارنة بين الرجلين، بين غيفارا الهدام وابي ذر البناء رضي الله عنه، ولكننا نشير بوجوب الاستدلال بما في تاريخنا وتراثنا من مدلولات ومآثر خلفها لنا الاسلاف.. هي بعض من نضال اصحاب رسالة الحق التي جاءنا بها رحمة للعالمين من الله الرحمن الرحيم نذير مطاع وأضرم آمالها في صدورنا بشير مصدق رسول الله المصطفى سيدنا محمد صلى الله عليه وسمل فأورثنا إياها.. محدة بيضاء ليلها كنهارها لا يغفل عنها إلا هالك. يتبع المدينة المنورة