في رحلة الحياة المتسارعة والمكتظة بخليط من المشاعر الهادئة أحيانا والمتمردة أحيانا أخرى نشعر برغبة عارمة في التوقف والركون لزاوية التأمل لكل الطرق التي طوتها خطواتنا . وقفة محاطة ببعض السكون والدفء نختصر فيها كل المشاوير البعيدة ، نفتح دفاترنا القديمة ونعاود القراءة .. نضحك قليلا ، ونصمت في حيرة عند أسطر لم نفهمها من قبل ، ونصدم عند كل نهاية شاحبة طمست أحلامنا . تسأل نفسك لماذا نركض بهذه القسوة طالما النهاية معروفة سلفا ؟ ومن ثم تزفر زفرة ساخنة مع برد الشتاء المتشبث بأطراف جسدك ، وتستدعي ذاكرتك كل الوجوه والأسماء المخزنة في الجزء القديم من أيامك . تتجاذب معهم أطراف الصمت وفي عينيك بقايا ماء وملح كلما حاولت منعه بإغلاق جفنيك يجبرك هو على الانهمار وإلا سيشعل داخل أحداقك ناراً تكوي قلبك المتعب . تأخذك خطواتك للأماكن البالية ، والجدران المنسية ، لحارات مزدحمة بالأضواء وليل لا ينام فيه الناس. تجلس على مقعد خشبي متهالك في ركن سئم من كل شيء حتى من صوت البائع المجاور له وهو ينادي على بضاعة لا ينظر لها أحد .. ومع ذلك يظل ينادي بانتظار صدى صوته الذي رحل وأخذ شبابه ولم يعد . تمتد يدك لجريدة قديمة لم يعد فيها غير صفحات معدودة ، تمرر نظرك بين صفحاتها فيتوقف عند أسطر الموت فيرتعش بدنك للحظات ومن ثم تطوي الجريدة وتلقي بها على الطاولة وتنهض كطائر بلله المطر في ليلة شتاء قاسية ينتظر شروق الشمس لعل أجنحته تعينه على الرحيل . تسلك نفس الطريق الذي انتهى عند أقدام من سبقوك وبين شفتيك سؤال عتيق طالما تردد على مسمعك ولكنك لم تعره أدنى اهتمام .. إلى أين ؟ [email protected]