أشارت دراسة بريطانية سابقة إلى أن الناس يكذبون بمتوسط مرة كل ثماني دقائق أي ما يعادل (2,) مرة في اليوم الواحد ، وجاء في نتائج استطلاع للرأي أجرته إحدى المجلات الكويتية قبل عدة سنوات حول موضوع الكذب أيضاً أن نسبة 69% من العينة أفادوا بأنهم كذبوا عدة مرات وان 20% كذبوا مرتين و10% لا يكذبون , وفي جانب آخر من الاستطلاع أفاد 73% من أفراد العينة أنهم لجأوا إلى الكذب لتخليص أنفسهم من بعض المشاكل والمواقف مقابل 27% لم يلجأوا لذلك ، وأشار الاستطلاع أيضا أن هناك من يؤيد الكذب الأبيض بنسبة 58% مقابل رفض الكذب الأسود بنسبة 42% . ومن قراءة تلك المؤشرات ومدلولاتها والتي أكاد اجزم أنها أصبحت من السمات السلوكية للمجتمعات المعاصرة بصفة عامة وواقعاً معاشاً ومسيطراً على الغالبية العظمى من الناس في كل مكان فأصبح الكذب وللأسف رفيقنا في كل أحوالنا وتقلباتنا في بيوتنا وفي أعمالنا وأسواقنا وفي تجمعاتنا ,فالزوج يكذب والزوجة تكذب , والمعلم يكذب والطالب يكذب ,والموظف يكذب ,والمسئول يكذب , التاجر يكذب والصانع يكذب ,الفنان يكذب والمثقف يكذب ,المصرفي يكذب والطبيب يكذب,حتى الحب لم يسلم أيضاً من الكذب والخداع فانقلب الواقع وأصبح الكذب بكافة أشكاله وألوانه وأساليبه هو الأساس والصدق هو الجريمة, بل إن كل ذلك قد لا يوازي تلك الكذبة الكبرى التي تعيشها شعوب معظم دول العالم مع حكوماتها تحت مظلة ما يعرف بلعبة السياسة وما يؤكد أن الحياة المعاصرة أصبح يغلفها الكذب من رأسها حتى أخمص قدميها وأصبحنا غرقى في لجة الدعايات الاستهلاكية والشعارات الملفقة والحقائق المغلوطة والأساليب الملتوية . وفي هذا السياق أيضاً يطل علينا سؤال طالما يطرح نفسه ومؤداه هل يولد الإنسان كاذباً ؟ وللإجابة أقول وكما أشار إلى ذلك غيري من المتخصصين والدارسين بأن كافة الحقائق تؤكد انه لا يوجد إنسان كاذب بالفطرة إنما يكتسب الفرد هذا السلوك من البيئة التي يعيش فيها ويتفاعل معها أي أن ذلك الخلل مصدره ضعف إنساني وخروج عن الفطرة السوية والتربية السليمة التي لها دورها المهم والأساسي في تهذيب هذه العادة السيئة ووأدها أو إذكائها لتعيش بالتالي مع صاحبها طول العمر وتصبح جزءاً من سلوكه اليومي. ولعل الخداع والتدليس والنفاق والزور والإشاعة والاحتيال هي الأوجه المختلفة للكذب والتي نرتكبها جهلاً أو عمداً في حق أنفسنا ومجتمعاتنا وأجيالنا القادمة ولن يكون الخلاص من هذا السلوك المرفوض دينياً وأخلاقياً واجتماعياً إلا بتعزيز التربية السليمة للأجيال الناشئة والإصرار والعزيمة الصادقة بالإقلاع عنه ومقاومة الوقوع في شراكه والاحتيال في تركه إلى الأبد والتذكر أننا كمسلمين وأصحاب الديانات الأخرى مأمورون بالصدق وتحري الحقيقة حيث كانت. فهل نحتفل بالصدق في كل أيامنا وليالينا ولا نجعل للكذب مكاناً في حياتنا ؟. وهذا علمي والسلام . فاترك الحيلة فيها واتكل إنما الحيلة في ترك الحيل