حبيبتي..مدينتي..جدة ،أكتب لك رسالتي هذه وأنا عائدا لكِ على متن الطائرة القادمة من بيروت التي أحببتها يوما ما، عِشتُ ودرستُ بها،وقَضيتُ أَجمل أوقاتي،مَشيتُ بين أزِقتُها..تَظللتُ بِأَشجارِها..تَسلقتُ جِبَالها..تَمرغتُ بِترابِها..وأَغتسلتُ بِبَحرِها. حبيبتي أَكتب لكِ وكُلِي إِشتياقٌ إليكِ، بِكل مافيكِ ولِكل من عليكِ..تَجاعيدكِ..شيخوختكِ..عَجرفتكِ وكِبريائكِ، ورغم كل ذلك تظلِين أمامها شابةٌ جميلةٌ مُتواضِعةٌ فالواحد منا لا يعرف قدر المَحبوب حتى يُجرب غيره. شوارعكِ بِكل حُفرَها تَظلُ بِها قِطعٌ إسفلتية تَسمحُ لنا بالمرور بينها،بينما شوارعها بين كل حفرةٍ وحفرة حفرةً ثالثة .. بِكِ إزدحاماً وتفتقرين لِتنظيم مُروري، أما هي فحدث ولا حرج فوضى مرورية شاملة لا إشارات ضوئية هذا ناهيك عن الفن والذوق في القِيادة . بِكِ مشاكل في الخدمات ، إنقطاع في التيار الكهربائي، نقص في إمدادات المياه،عدم وجود شبكة صرف صحي ..وهي كذلك لاترى النور إلا قليلاً ولا تشرب المياه إلا نادراً رُغم الأنهار والوديان والبحيرات، مُشكلة المياه عندكِ طبيعية ومُبررة فَأنت بَلدٌ ذو طبيعة صحراوية تَفتقد للكثير من مقومات الحياة ،أما هي وبِرغم أنهارها التي تَجري بين جبالها فلا يَشربُ منها إلا البحر ، مشاريعك تُعلق بِالسنين كذلك مشاريعها ،تَأخر في التنفيذ ومُخالفة في التسليم ،سِرقة وعدم أمانة في العمل الكل في ذلك سواء. تشتكي من بعض ذوي النفوس الضعيفة والضمائر الميتة وعديمي الإحساس بِالمسؤولية، بينما هي ترجو في المقابل أن يكون لديها بعضاً من أصحابَ الأخلاق العالية والإخلاص والإنتماء وحب الوطن . ضُيق عليكِ بأسماء شتى، بينما هي ضاعت هويتها بِتعدد طوائفها وأعراقها ، بِكل غلاء سِلعكِ أحسبها مجانية مقابل فُحش أسعارها، بَحركِ مَصب لِمياه الصرف، أما هي فهو مرمى للنفايات إضافةً إلى ذلك. شبكة الإتصالات ،الإنترنت بكل مافيها من تأخر تتقدمين عليها وكأنك على مصاف دول العالم المتقدم ، بِكِ بطالة وعاطلون ،بِها صِياعة ومُتسولون ،ماذا بَقيَ ..نِسبة التلوث المُرتفعة بِسبب بُحيرة الصرف الصحي وأَدخنة التحلية والمصفاة والمصانع، فذاك ليس عيبا فَأنتِ بلدٌ صِناعي ،لديها كوادر بشرية ولديكِ ثروات طبيعية ،لديها إِنتخابات وحرب وفوضى سياسية ،لديكِ أَمنٌ وأمان وحُكمٌ وإِستقرار. مَعشوقتي جدة....أَعترفُ لكِ أني وُلِعت بِحبِ بيروت لِفترة قَبل أن تُبديَ لي مَساوِئها ،إِنشغلتُ بِها في غَفلةً مِنكِ ،بعُدتُ عنكِ ولم تعاتبيني ،عدتُ إليك وسامحتيني وكنت لي صدراً حنوناً ، تَجاوزتِ عن نَقدي لكِ في ظِل سِحرها لي ، وتَهكمِي عَليك لحظة تَمثيلها عَليً، إِستَفقتُ من نَومي ، بَرأتُ من سِحري ،شُفيتُ من جُنوني ، عُدتُ إلى رُشدي ، رَجِعتُ إلى حُبي، قُولي عَني ما تشاءين فَعودة الشيخ إلى عَقله قد تُعيدُ لهُ بَعضاً مما فَاتهُ في صِباه . فاكس 6602228 02