جدة كانت عروسا بقلب أم . احتضنت الجميع ، أولتهم كل الرعاية ، سهرت على إسعادهم . كانت تغير الثوب تلو الثوب لكي تلمح نظرة سعادة في عين كبير أو لمعة تنم عن الدهشة في عين صغير . جدة .. يا مدينة نذرت نفسها للفرح .. يا من كنت مرفأ للمتعبين وشاطئا للمحزونين الباحثين عن وقت لمهادنة الوجه الكالح للحياة . كنت تستقبلين أفواج الحزاني كما كنت تستقبلين مواكب الباحثين عن الفرح واللهو البرئ . بنفس الحنو كنت تضمين الفئتين إلى صدرك وكأنك أم للجميع .. لأنك تقبلت الجميع بكل اختلافاتهم ؟ جدة .. يا عروسا أعارت زائريها روح الفتوة الممتزجة بالمرح.. أنى لنا الآن أن نستعيد عافيتنا من دونك..؟ وكيف لنا أن نستعيد فتوتنا ومرحنا ، ووجه شوارعك وأحيائك لازال ملطخا بالمياه الآسنة والبحيرات الراكدة التي تفوح منها رائحة لا مبالاتنا وجحودنا ؟ هل تحول فستان الفرح إلى كفن ؟ هل تحولت مساحات البياض من لون رسمي للفرح إلى شعار وحيد للحزن والفقد والزوال ؟ جدة .. ماذا سيقول التاريخ عنا ، وكيف سيصف جنايتنا عليك، وبأي لغات الأرض سيلعننا وقد فرطنا في حيائك وأهدرنا كرامتك ولم نصن عفافك أمام مجرد سيل مجازف .. أهوج .. كاد أن يأتي عليك دفعة واحدة في ظرف ست ساعات فقط ماذا سيقول التاريخ عنا وقد استنزفناك لتمنحينا أنت البهجة دون أن نهبك نحن الأمان؟ فقط لا تنسي يا جدة أنك كنت عروسا بقلب أم .والعروس العاشقة وإن كانت لا تتصابى فإنها لا تشيخ أبدا.