هو أحد الأساليب المتطورة للنقاش والجدال عندما تصل الأمة أو الشعوب إلى مستوى من الرقي الفكري والوعي الاجتماعي والثقافي يكون الحوار والحِراك هو أحد أساليب التفاهم والتآلف وحل مشاكلها وإخضاع موضوعاتها للبحث والاستقراء والاستنباط للوصول بها إلى التعايش والتوافق في الحياة، ودحض الأفكار التقليدية التي عُلقت في الأذهان نتيجة لأحكامٍ كانت سائدة وعفا عليها الزمن وأصبحت لا تتساير مع العصر ورأى الكثير ضرورة الخروج عليها أو إزاحتها أو التخفيف من آثارها أو منع أضرارها لأنهم أدركوا أنها لا تتناسب مع روح العصر وتطور الفكر وحُرية الإنسان وحقوق الفرد حتى تُواكب الرُقي الحضاري العصري، لاشك أن ما بين القديم والحديث تضارب في الأفكار واصطدام في الاتجاهات الفكرية وظهور سماسرة للحوار ومتخصصين للحِراك وآخرين للعراك مما أدى إلى خروج قواعد الحوار عن مفهومها الفكري الثقافي الأدبي الموضوعي المتميز بروح التفاهم الهادف، ما أخشاه هو العِراك الذي يتسم بالمخالفة والتحزُب وهذا لا يُمثل شيئاً في سُلَّم الحضارة بل يعيق الحضارة والرقي والتفاهم والوصول إلى حلول جذرية، وهُنا تصبح هذه الجماعة كما قال المثل: (خالف تُعرف). وفي اعتقادي الشخصي أن الحوار إذا ما خرج عن دوره وأهدافه الوطنية والرُوحية الإيجابية وأصبح يُمثل عراكاً في الثقافة، فهنا لا يوجد كاسب أو خاسر بل هو يسير وفق اتجاهين مختلفين لا نجني منه سوى الانقسام والمُراشقة وهو لا يعدُو عن كونه سجالاً غير مجدٍ أو مُشجع للاشتراك في نواديه ومنسوبيه، حيث أن أهدافه لا تمثل العام بل أصبحت تمثل الخاص. نحن لا نودُ أن يخرج الحوار من معناه في التآلف والتوافق ولم الشمل وحل المشاكل والتكيف مع أسلوب العصر، لكن هناك من يرجعنا إلى أسلوبٍ تستعرُ فيه القلوب وترتعدُ منه الضمائر وتتحولُ فيه السُبل إلى غايات، لا نُدرك نواياها ولا خفاياها حاضراً ومستقبلاً، لجأت الشعوب والأمم المتقدمة حضارياً وفكرياً في الآونة الأخيرة إلى أسلوب الحوار وهو أسلوب العقلاء والحُكماء فانتقال الحوار إلى عراك ثقافي فكري هو قمة الوعي والفهم والإدراك وهو من البديهيات المُسَلَّمِ بها سياسياً واقتصادياً واجتماعياً لرُقي المجتمعات وارتفاع معدلات وعيها وإدراكها ومكانتها في عالمٍ لا يعترف إلا بالفِكر الناضج، أما خروجه إلى عالم العِراك والطحن والانقسام والمشاحنة والتطرف والمُطاحنة لإثبات رغبةٍ دفينة أو إرادةٍ غائبة لا يعلمُ بنتائجها إلا الله سبحانه وتعالى، لهذا فنتائجها لا تُحمد عقباها. إن شعوب الأرض التي سبقتنا بوعيها وفكرها الصناعي وتقدمها التكنولوجي لم تتقدم بفضل المنازعات والانقسامات بل بالحِراك الفكري الإيجابي الموضُوعي الذي يخدم الفرد والجماعة والبِلاد ويُثبت حقوق الآخرين ويعترفُ بالحريّات والتعدديات الفكرية والمذهبية والجنسية، فإذا هُدم جانب من هذه الجوانب أصبح الحِراك والعِراك والحوارُ عارياً من مضمونه ولا جدوى من أطروحاته التي لا تؤدي إلا إلى تصدع الكيان الاجتماعي، فلنا الحق في أن نطرح همومنا في حوارٍ عادلٍ شيقٍ بعيداً عن العُنصرية والعصبية والمناطقية تتجلى فيه رُوحُ الوطنية والإبداع بطرقٍ تبيح للكثير من الشباب والمواطنين الاشتراك فيه والتعلم منه بأسلوبٍ يجدُ فيه الإنسان ذاتيته وكرامته واحترام أفكاره. أما ما نشاهده اليوم للأسف الشديد من التحزب في الفكر والرأي عند البعض لا يُبشر بخير بقدر ما يعكس صورة من التخريب وهذا ما عبَّرت عنه بعض الاستدانات البحثية التي يسير على نبضها بعض من المتطرفين، وحتى لا نكونَ أمةً سطحية غوغائية تنساق حول المؤثرات الخادعة والأهواء الشريرة نحتاجُ إلى التعقل والتدبر كما قال الشاعر: إذا ما أراد الله إهلاك نملةٍ أطال جناحيها فسيقت إلى العُطبِ