من يعرف الخارطة الجغرافية لمدينة جدة عبر مراحل تاريخها الحديث يدرك جيداً لماذا تفاقمت في شرقها وأجزاء من جنوبها ووسطها أحياء عشوائية أعاقت الكثير من الخدمات وأدت إلى ما نشهده اليوم من معالجات لهذا الواقع المؤلم الذي عكس الكثير أيضا من السلبيات على مشاريع التنمية البلدية والهيكل التنظيمي للمدينة بشكل عام. ثم يأتي سؤال آخر وهو لماذا لم نرَ أحياءً عشوائية شمال جدة؟ وللإجابة عن الجانب الأول يمكن تحديد الأسباب في الجوانب التالية: وجود أراضي شاسعة ومتداخلة ومشاعة في تضاريسها.. واختلاف في تحديد ملكيتها حيث كان هناك من يقول : إنها تعود للشربتلي وآخرون يرون أن أجزاءً من هذه المساحات تعود للعين العزيزية , وأمام صمت الشيخ حسن شربتلي يرحمه الله وتعاطفه مع الناس.. وأمام عدم التحرك من المسؤولين عن إدارة أملاك العين العزيزية وغض الطرف عن الزحف على أراضيها. توسعت دائرة الاعتداء على هذه الأراضي منذ أكثر من 45 عاماً. في حين وقفت بلديات وأمانة جدة أمام المشهد دون أي تدخل إلاَّ من خلال إرضاء مراقبي البلدية بشيء من جبر الخواطر من قبل المعتدين حتى أصبح المشهد مألوفاً في هذه المساحات من الأراضي التي كان يجب أن تقوم الأمانة بإيقاف الزحف عليها والعمل على تخطيطها ومن ثم بيعها للمواطنين سواء من قبل الملاَّك الحقيقيين أو من قبل الدولة. قبل أن تكون ما يعرف بأراضي الشربتلي والعين العزيزية منطلقاً نحو مزيد من المباني العشوائية في أماكن أخرى من شرق مدينة جدة. وفي الحانب الآخر من هذه المدينة نجد أن شمال جدة كان بعيداً عن ظاهرة العشوائيات حيث أدرك المهندس محمد سعيد فارسي أمين جدة السابق انه لا يمكن ترك الأمر يتكرر شمالاً وبدأ في التحرك من جانبين الأول : هو الحماية من التوسع في الأملاك الخاصة إلاَّ بشرط تخطيطها وبيعها والثاني تحديد أراض حكومية ومنحها للمواطنين وقد نجح الرجل في مخاطبة المسؤولين في الدولة الذين دعموه في ذلك الاتجاه.. لكنه لم يستطع ولا من سبقوه ومن جاء بعده مواجهة ذلك الامتداد العشوائي شرق المدينة وهو الهم الكبير الذي جعل الأمير خالد الفيصل يضعه في أولى أوراق أجندته منذ وصوله إلى جدة كأمير لمنطقة مكةالمكرمة لتكون هذه المواجهة مع العشوائيات شاملة لكل مدن المنطقة.