* يقول الشيخ عائض القرني في آخر مقطع من مقاله في الشرق الأوسط يوم الثلاثاء 17 شوال 1430ه: (البعض أكثر من الدروس والمحاضرات في إعفاء اللحية وإسبال الثوب وشرب الدخان والأغاني، وترك تصحيح العقيدة واصلاح العبادة وتقويم الأخلاق، وذلك من قلة الفقه، وضعف الرأي".. ثم في مكان آخر أورد الشيخ القرني مثالاً لحكاية توضح الغباء وقلة البصيرة، عندما قال: "وغالب الناس مثلهم كمثل المرأة الغبية الحمقاء، التي لما أخبروها بقتل ابنها برصاصة، سألتهم أين وقعت الرصاصة؟.. قالوا: وقعت في جبهته، قالت: الحمدلله على سلامة عينه من الرصاصة، وهو قد قتل أصلاً"!! * ما تقدم يقودنا إلى تكرار ما سبق أن قلناه كثيراً، بأننا بحاجة إلى تطوير بعض آليات الخطاب الدعوي، ليباشر المهم قبل الأهم، ويعالج ما يحتاجه الناس كضرورة، وكأولويات تسبق غيرها وتتقدمها، في مضمار حياتنا وتفاعلنا مع مجريات الأيام التي نعيشها.. نحن في الواقع نحتاج إلى اشاعة روح المحبة بين الناس..لأن الناس إذا أحبوا بعضهم فلن يتظالموا، ولن يخون أحدهم الآخر، ولن يعتدي الواحد على الثاني، ولن يحدث الحسد والكراهية والتباعد، وهذه كلها لحسن الحظ من صميم أدبيات ديننا الاسلامي، فقبل أن أدعو هذا أو ذاك إلى عدم اسبال ثوبه، وإلى عدم حلق لحيته، أنا أدعوه إلى شيء أهم وهو أن أدعوه إلى التحلي بالخلق الحسن، الذي يمنعه من ايذاء جاره، ومن الاعتداء على أرض الذين يجاورونه مثلاً - كما يحدث في القرى، إذا سافر أحدهم عاد فوجد من ابتلع من أرضه عدة أمتار، بدوافع الطمع والعدوان - مما يسبب الاحقاد والضغائن، وربما أكثر ومن ذلك. * المصلح الفعّال هو الذي يدعو الناس إلى الأمانة في أداء العمل، والاخلاص في الوظيفة، وتسهيل أمور المراجعين، وعدم "الزوغان" من العمل، أو ربط أداء الخدمة مقابل هدية أو رشوة أو واسطة، لأننا إذا تركنا الناس يمارسون هذا الفعل القبيح، ضاعت الذمم، وتلاشت الأخلاق، وبرز الغبن، وتفشى الفساد الاداري، الذي يعد قاصمة الظهر لأي تنمية، ولأي تقدم أو تطوير في المجتمع كله، وبذلك تسقط الوظيفة كأمانة وكنزاهة من عيون المجتمع، ويبقى النظر إليها على أنها وسيلة للتكسب الحرام، ولتعقيد أمور الناس، ولضياع جهودهم وأوقاتهم. * المتحدث الواعي إذا وقف أمام الناس دعاهم إلى ترابط الأسر، وإلى احترام ميثاق الزوجية، وإلى البر بالآباء والأمهات، والاخوال والخالات، والاجداد والجدات.. فكم من أناس يتظاهرون بأنهم أمام الناس في قمة الصلاح والورع، بينما لو غصت في أعماق أحدهم وجدته لا يزور خالته مثلاً حتى في العيد، ولا يقدم أسباب الرضا لأبيه وأمه الا "على خفيف" والعجيب أن هؤلاء يظهرون أمام الناس "بكل وجه كالح" وكأنهم "أسوياء".. في حين أنهم يحتاجون هم أنفسهم إلى تكثيف الخطاب الدعوي لهم، حتى يؤدوا واجباتهم، أولاً، على أكمل وجه. * كثير من الدعاة والوعاظ لا يتحدثون في كلماتهم الوعظية الا عن أمور محددة ملتها الآذان من كثرة تكرارها، كأن يتحدث أحدهم عن الأغاني وعن القنوات الفضائية وعن عباءة المرأة تكون على الرأس أم على الكتف، ونحو ذلك من المحاور التي كان يجب أن يسبقها ما هو أولى منها، وكأن هؤلاء الاخوة الدعاة الفضلاء لديهم عقدة من الفضائيات والأغاني ونحوها، بينما مجتمعنا يموج بمشكلات اجتماعية أكثر أهمية، وأشد ضرورة، والغريب أنني لم أسمع داعية ينتقد طلبة العلم أو الملتزمين، وكأن هؤلاء "كاملون مكملون" وأن كل حياتهم مثالية ، بينما الخطأ وارد عند الملتزم وغير الملتزم. * سمعت مرة فقط الشيخ سعيد مسفر ينتقد بعض الملتزمين الذين لا يسلمون إلاّ على من يجدونه يطلق لحيته، عندما قال "لا" وألف لا.. واضاف يمكن أن يكون أحدهم ظاهره طيب وداخله "خربان" ويمكن أن يكون الثاني ظاهره خربان وباطنه طيب وأضاف الشيخ: والأفضل أن تجمع الاثنين: ظاهرك طيب وداخلك طيب.