العلم والوقت والمال والطاقة هي ما يلزم الإنسان لإنجاز ما يريد. والعلم هنا المعرفة الواسعة وليس بالضرورة الشهادة العلمية. قلة من البشر تتوفر لهم هذه الرباعية في آن واحد، بينما يتوفر لمعظمهم اثنان أو ثلاث منها في مراحل مختلفة من الحياة. ففي شبابه يتوفر للإنسان الوقت والطاقة وينقصه العلم والمال. والعلم بمعناه الواسع يزداد باطّراد مع الزمن، أو هكذا ينبغي. أما الوقت والمال فمتعاكسان. إذا انخرط في العمل يبدأ وقته في النقصان وماله في الازدياد، حتى إذا بلغ منتصف العمر وجد نفسه منشغلاً لا وقت لديه لعمل كثير مما كان يطمح إليه رغم توفر الطاقة وبعض المال. ثم إذا بلغ التقاعد توفر له الوقت والمال لكن لم يعد لديه طاقة لعمل شيء. ومن هنا التوجيه النبوي الكريم "اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك". فعبَّر عن الوقت بالفراغ والحياة، وعن المال بالغنى، وعن الطاقة بالشباب والصحة. وأوضح أن الإنسان مسؤول عنها: "لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيم أفناه، وعن علمه ماذا عمل به، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن جسمه فيم أبلاه". ليست العبقرية بأن يتاح للإنسان كل شيء فينجز، إنما العبقرية هي أن ينجز الإنسان رغم النقص في الإمكانات، ومن هنا يُقال عن أمثاله إنه سابق عصره. وفي تاريخنا، قديمه وحديثه، أفذاذ في كل مجال من مجالات الحياة، كانت حياتهم أشبه بالأسطورة من كثرة ما أنجزوا رغم قلة ما عندهم. مؤخراً ظهرت قصتان فيهما من العبقرية ما يفوق الخيال. أولاهما لشاب معاق حركيا بسبب حادث سيارة شلَّه وجعله معتمدا على جهاز تنفس. خرج علينا في التلفاز ملقى على ظهره على سريره، لكنه يتعامل مع الحاسوب من خلال عينيه ولسانه، وأصبح مبرمجاً محترفاً. والأعجب منه هو أن فتاة رقت لحاله وقبلت أن تكون له زوجة تخدمه وتساعده. القصة الثانية لمهندس شاب يشكو من ورم خبيث في المخ يجب استئصاله بعملية جراحية قد تؤدي إلى شلل نصفي. فاستفسر من الطبيب عن الفرص لتلافي إجرائها، فأكد له أنه للاستغناء عنها يحتاج لتصوير دقيق ثلاثي الأبعاد للمخ من الداخل. فأسس شركة توصلت في نهاية المطاف إلى تطوير جهاز تصوير يدخل عبر فتحة صغيرة في الرأس، فيلتقط صوراً دقيقة ثلاثية الأبعاد في متاهات المخ. فأنقذ بهذا الاختراع حياته وحياة الآلاف غيره. إن قصص الإبداع كثيرة. وبعض المبدعين لا يحتاجون مساعدة، لكن معظمهم يحتاجون للتشجيع. وما أجمل أن يكتشف المعلمون المبدعين والمبتكرين من طلابهم، والأجمل أن يشجعوهم. وأتمنى أن يأتي اليوم الذي نرى فيه مدارس خاصة بالمبدعين، كالتي عند الغربيين. كلية الهندسة، جامعة الملك عبد العزيز [email protected]