ودّعنا عامًا هجريًّا وأطل علينا آخر جديد، وفي مثل هذه المناسبة من كل عام نستذكر معاني الهجرة، ولكن للأسف معظم أبناء الأمة يتذكرون فقط حدث الهجرة العظيم الذي فرق الله تعالى به بين الحق والباطل، حيث كانت الهجرة النبوية الشريفة انطلاقة نور الحق ودولة الاسلام وبناء الأمة، وغابت دروس هذه المناسبة الجليلة، حيث انشغل الناس بدار الفناء ومتع الحياة، وفي مثل هذه الأيام يلقي العلماء والدعاة الخطب والدعوة إلى الله لتذكير المسلمين بموجبات هذه المناسبة وتدبر معانيها والدعوة إلى اصلاح الأمة الذي يبدأ بإصلاح الفرد المسلم لنفسه ولحياته. البعض يربط اصلاح ذاته ونفسه والتوبة إلى الله بمواعيد، ولا يدري أن الموت يأتي بغتة.. يقول الحق تبارك وتعالى:"وما تدري نفس ماذا تكسب غدًا وما تدري نفس بأي أرض تموت". وقال صلى الله عليه وسلم:" اغتنم خمسًا قبل خمس:شبابك قبل هرمك، وحياتك قبل موتك، وفراغك قبل شغلك ، وصحتك قبل مرضك، وغناك قبل فقرك". رواه الترمذي ، وقوله صلى الله عليه وسلم:" لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيم أفناه وعن عمله فيم فعل وعم ماله من أين اكتسبه وفيم انفقه وعن جسمه فيم أبلاه". فهل فكرت أخي المسلم يوماً وأنت تحاسب نفسك كم صعد لك من الأعمال الصالحة. أيضا البعض هداهم الله يعتقدون أن في صحتهم وشبابهم متسع من العمر، وأن فيه بقية، وهذا قد يغري الساهين بالانشغال بالدنيا والجري وراء مادياتها حتى وإن تطلب الأمر تجاوز حقوق الله وحقوق العباد، والتراخي في أداء العبادات.يقول الشاعر: يسر الفتى طول السلامة والبقا فكيف ترى طول السلامة يفعل إن ساعات العمر محسوبة، وكل يوم يمضي من حياتك ينقص به يوم من عمرك يكتب لك فيه ما قلته من قول أو فعلته من فعل.."ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد". والتوبة والعودة إلى الله لا تحتاج ولا تتحمل تسويفا ولا تأجيلا، والله سبحانه وتعالى يفرح بتوبة عبده، ولقد كان السلف الصالح رضوان الله عليهم يستزيدون من الصالحات ويعمرون أوقاتهم بالطاعات، بينما في هذا العصر أصبح القابض على دينه كالقابض على الجمر. فقد أحاطتنا الثقافات المادية بملهيات ومغريات كثيرة للشباب، بل بكل ما يؤثر سلبا على استقرار الأسرة والمجتمع، ومحاولة ابعاد المسلم عن التزامه تجاه دينه من عبادات ومعاملات، وتغيرت أسس العلاقات، وتشابكت الحقوق واختلطت وسط هذا السيل الجارف من تلك الثقافات التي تحاول النيل من ثقافة هذه الأمة والمساس بها وتذويبها في نفوس أبنائها لصالح الثقافة المادية المنحرفة. إن مناسبة العام الهجري تطل علينا وأمتنا تواجه تحديات خطيرة بلغت حد الإساءة لهذا الدين العظيم والعقيدة السمحاء، وهذا من فعل بعض أبنائها المغالين المتطرفين الذين اتخذوا التنطع والغلو سبيلاً، وآخرون جروا وراء سراب ما يبثه الغرب والشرق من أفكار في عصر العولمة، وظنوا أن نصيبهم من الدنيا هو كل المتع حلالها وحرامها، فقدموا صورة سلبية عن الأمة مع أنهم يجب أن يقدموا النموذج والقدوة لغيرهم من الشعوب، وهذا حال الكثير من الفضائيات العربية والإسلامية يعج بالخبيث والغث، وهذا أولى أن يجد وقفة جادة وصادقة حتى نلملم هذا التشتت النفسي لأبناء الأمة وشبابها، وأن يكونوا نافعين لدينهم ولأوطانهم ولهم الخير في الدين والدنيا. نسأل الله أن يهل هذا العام علينا بالأمن والإيمان والصلاح لشبابنا ولكل أبناء الأمة، والعزة لحاضرها ومستقبلها، وهو الهادي إلى سواء السبيل وكل عام وأنتم بخير. حكمة: دقاتُ قلب المرء قائلةٌ له إن الحياة دقائق وثواني فارفع لنفسك قبل موتك ذكرها فالذكر للإنسان عمر ثاني للتواصل:693097