يشهد العالم ثورة هائلة في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، تمثلت اهم ملامحها في الدور الكبير الذي تلعبه المعلومات في منظمة التنمية وتسهيل المعيشة اليومية بالشعوب، فضلا عن دورها في تخفيف الانتشار الهائل للأفكار، والمفاهيم والتصورات، كما اصبح التقدم لا يقاس بحجم الصادرات او بقوة العملة الوطنية بقدر ما يقاس بالقدرة على ملاحقة ثورة المعلومات والاتصالات. وفي الوقت الذي تعد فيه وسائل الاعلام عن أهم آليات نشر المعرفة، الا ان معظم وسائل الاعلام في الدول العربية تعاني الكثير مما يجعلها دون مستوى تحدي بناء مجتمع المعرفة، كما قطعت الدول العربية شوطا لا بأس به في تطوير بنيتها الاتصالية التحتية، ولكن تظل المنطقة ككل في حدود المؤشرات الأدنى على المستوى العالمي، حيث لا يصل عدد خطوط الهاتف الى خمس نظيره في الدول المتقدمة، وهناك (18) جهاز كمبيوتر لكل (1000) شخص مقارنة بالمتوسط العالمي، وهو (3.78) جهاز كمبيوتر لكل (1000) شخص، ويقتصر عدد مستخدمي الانترنت على (6.1) فقط من سكان الوطن العربي (5.4) مليون شخص، وكانت هناك عدة مبادرات لحفز استخدام الكمبيوتر والانترنت من خلال تخفيض رسوم الانترنت. ورغم الزيادة في عدد البحوث العربية الا ان النشاط البحثي العربي ما زال بعيدا عن عالم الابتكار، فهناك زيادة ملموسة خلال العقود الماضية بلغ معدلها السنوي (10%)، إلا ان هذه الزيادة تعد متواضعة مقارنة بما حققته بعض الدول النامية، كالبرازيل والصين وكوريا الجنوبية، مثل كوريا، ولا يتجاوز ما تنفقه البلدان العربية على البحث والتطوير (2%) من الناتج القومي، في حين تتراوح النسب في البلدان المتقدمة بين 5.2% و5%، ويأتي 99% من هذا الانفاق من مصادر حكومية، وتسهم القطاعات الانتاجية، والخدمية بنحو 3% فقط، ما يدل على غياب الوعي المجتمعي بضرورة دعم العلم والعلماء. تنامت ظاهرة هجرة العقول العربية نظرا لغياب الدعم المؤسسي لانتاج المعرفة، وعدم توافر البيئة المواتية، ولا يترتب على هذه الظاهرة الخسارة الناتجة عن تكلفة اعداد هذه الخبرات المهاجرة الى البلدان المتقدمة فقط، بل تغيب المساهمة المنتظرة لهذه الكفاءات الوطنية وبخاصة في بناء منظومة المعرفة الوطنية، والمعلمون والباحثون والمبدعون على اختلاف انواعهم قد لا يملكون القدرة على اقتناء منتجات المعرفة ووسائل اكتسابها او الاستقاء منها، سواء أكان ذلك على شكل شراء السلع المعرفية، كالكتب والموسوعات والمؤلفات العلمية، أو على شكل مشاركة في الندوات العلمية، أو على شكل اشتراكات في دوريات علمية ومعرفية مختلفة. يكاد العالم العربي يشكل اليوم الخزان الاكبر لأصحاب الكفاءات والمهارات المرشحين للهجرة الدولية بالمقارنة مع جميع المجتمعات الأخرى الكبيرة، ولا ينجم عن ذلك فقر في الاطر العلمية والتقنية رغم النفقات المتزايدة في التعليم فحسب، ولا قصور في انتاج المعارف الضرورية للتسيير الاقتصادي والاداري، ولكن اكثر من ذلك تراجع الطلب الاجتماعي نفسه على المعرفة. في الختام: اقول ان اقتصاد المستقبل الذي يعتمد على المعلومات والمعرفة والاتصالات بكافة انواعها حيث ستحل الآلة والتكنولوجيا الذكية بالتدريج محل العمالة اليدوية الكثيفة وهذا هو التحدي القائم والقادم للمخطط الاستراتيجي في العالم.