هناك في جميع أنحاء العالم كوارث لا يتدخل البشر في صنعها ولكن يحاولون معالجة آثارها المتوقعة أو التحفيف من أضرارها مثل الزلازل والبراكين وفيضانات الأنهار والأعاصير التي يرتفع بسببها منسوب مياه البحار وتضرب شواطئ المدن بقوة وارتفاعاً شاهقاً للأمواج فيؤثر حتى على المباني والسكان ويُحطم كل ما هو في طريقه وهناك كوارث يصنعها الإنسان مثل الحروب وتلويث الشواطئ والمياه الجوفية والبناء في مناطق خطيرة غير صالحة للبناء مثل بطون الأودية ومجاري السيول أو عدم تنفيذ مخطط مدني يراعي فيه مسألة الأمن والسلامة ويقي المدن وسكانها من أي مخاطر تنتج عما يحصل من سيول وأمطار وحرائق ونحوها ومن ذلك تنفيذ شبكة للصرف الصحي متكاملة ومعالجة مياه الصرف بعد تجمعها في محطات لإعادة استعمالها لأغراض أخرى كلما ذكر يُعد من الكوارث التي من صنع البشر فإذا جئنا إلى ما حصل في جدة فإن ما حصل فيها هي كارثة من صنع البشر تراكم عليها الزمن وأسبابها كما يلي: أولاً : ما قامت به المحاكم من دور سلبي نحو الإساءة إلى تخطيط المدن ونشوء مئات الأحياء العشوائية داخل المدن وحولها ومنها مدينة جدة عن طريق إصدار صكوك الاحياء وبطريقة غريبة وعجيبة وقائمة على كذب وافتراء واضعي أيديهم على الأراضي الحكومية البيضاء مع إن جواز الاحياء مرتبط بعام 1385ه وما قبله من أعوام وهل يعقل ان وجود مخططات عشوائية تحاصر مخططات حديثة وهل يعقل أن تصدر صكوك إحياء للأراضي ما بين المدن والمحافظات فلا يبقى شبر أرض إلا ويكون مملوكاً وبعضها بملايين الأمتار ويصبح التملك عن طريق الاحياء لتلك الأراضي عائقاً أمام تنفيذ اي مشروع حيوي سواءً داخل المدن أو خارجها لأن المشروع إذا كان يُكلف مائة مليون ريال فإن تكلفته بسبب صكوك الإحياء قد تصل إلى مليار ريال حتى بلغ الأمر أن قاضي في مدركه لم يتورع عن إصدار صكوك تملك في مدينة جدة قيل عنها أنها صكوك عمياء لأن الصك ينطق الحدود والمساحة وان المتوقع على خط المدينة فإذا وجدت أي أرض تعجبك طبق الصك عليها سواءً على الخط الطالع أو النازل ولا تستطيع أي جهة أن تعترض لأن أكثر الصكوك تعترض الأمانات أو البلديات ولكن الصك يصدر دون الأخذ بتلك المعارضات وبعد ذلك تتعامل تلك الجهات مع هذه الصكوك وتقبل بها حتى لو كانت تعيق التخطيط وتضر بالمدينة أو المحافظة ولما حاول أمين العاصمة المقدسة المهندس عبدالقادر كوشك رحمه الله الوقوف في وجه صكوك الاحياء حورب حرباً اعلامية واجتماعية شعواء وأجهض مشروعه الحضاري الهادف الى وقف التعديات المسعورة المسماة بالاحياء وكان من نتائج ذلك لأنه كان في مكةالمكرمة وما حولها ثلاثة عشر حيا عشوائياً فاصبح فيها الآن ستين حياً عشوائياً. ثانياً : مصلحو المياه والصرف الصحي تم تناسي تنفيذ شبكة الصرف الصحي في مدينة جدة فأصبح كل صاحب فيلا أو منزل يحفر بئراً أرتوازيا للتخلص من لاصرف الصحي عن طريق إرساله إلى البحر من تحت لتحت مدمراً بيئته الطبيعية وشعابه المرجانية واحياءه البحرية وملوثاً للشواطيء وللمياه الجوفية ثم كان من نتائج ذلك أن مياه الصرف تطفح في الشوارع وتدمر الأسفلت وتتكون مستنقعات تنشأ عنها الأمراض المعدية فإذا هطل الغيث وجد الأرض مشبعة جداً لا يُمكنها أن تستوعب قطرة من مياه الأمطار فتتجمع وتتدفق على هيئة سيول وقد دار في المجتمع حديث قبل سنوات عن صرف مبالغ هائلة على مشاريع شبكة صرف صحي ولكن اتضح بعد ذلك ان ما نفذ على أرض الواقع هو مجرد أغطية ومناهل وليس هناك شبكة ولا يحزنون وانتفع من جراء ذلك من انتفع وشمل الضرر كل الاحياء التي كانت مستهدفة لذلك المشروع "الفاشوش" وزاد الضرر على المدينة وعلى البحر. ثالثاً : ولأن مياه الأمطار إذا بدت في التجمع تحتاج إلى شبكة سيول تصرفها أول بأول وتحتاج أيضا الى سدود وتمنع وصولها من الوديان البعيدة الى اطراف المدن وتكون الأمطار سقيا رحمة لا سقيا عذاب ولعدم أمانة جدة منذ توسعها في العمران وامتدادها الكبير لأي شبكة مكتملة لتصريف مياه السيول فلا عجب ان يحصل ما حصل في جدة فتتكون السيول الجارفة وتضرب ما أمامها من مباني وسيارات وبشر فتقتل وتدمر فإذا كانت أمانة جدة ومن تقلد المسؤولية فيها عبر فترات طويلة لم يحسبوا حساب مثل هذه الكوارث فهذا قصر نظر وإن حسبوا ولكنهم لم يجدوا المبالغ الكافية التي تعينهم على تنفيذ المشروع فكان لابد عليهم ان يبينوا رسمياً وإعلامياً خطورة عدم تنفيذ مثل هذه الشبكة وان لا يسمحوا بوجود مخططات تقع في الوديان ومجاري السيول. هذه هي ظروف جدة لذلك لا غرابة مما حصل واخيراً فإن المحاسبة التي أمر بها ولي الأمر يحفظه الله لابد ان تشمل جميع ما أدى إلى هذه الكارثة التي صنعناها بأيدينا وأن يكون من نتائج هذه المحاسبة منع تكرار ما وقع من أخطاء أدت إلى هذه الفاجعة التي هزت وجدان كل إنسان في هذا الوطن وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين وفقه الله لكل ما يُحب ويرضاه. والله الموفق،،،