مع إطلالة هلال شهر الحج والرحاب المقدسة تشهد منذ منتصف شهر ذي القعدة اكتمال وصول ركب الحجيج وهم يعيشون في أسعد أيامهم وفي أفضل الأجواء الروحانية متجهين صوب البيت الحرام ورؤية الكعبة الشريفة حيث تتدفق مشاعرهم الفياضة وتغمرهم السعادة لتنسيهم كل ملذات الحياة من المال والأهل والولد وما قد يحلَّ ببعضهم من مشقة السفر وطول الطريق منذ مغادرتهم بلدانهم إلى حين وصولهم بلاد الحرمين الشريفين بالرغم من كل ما يقدم لهم من تسهيلات يشهد بها الجميع كواجب تقتضيه آداب الضيافة واتخذت منه قيادة المملكة مبدأً لا تحيد عنه بل يُشدد عليه كبار المسؤولين في قطاعات الدولة الخدمية والأمنية وهو ما يزيدهم قناعة بأن ما يرونه أمامهم من معطيات التساوي على أرض الواقع بين أصناف البشر من حجاج بيت الله الحرام مع اختلاف ألوانهم ولغاتهم لتسودهم الرغبة الملحة في الاندماج بين هذا الخليط من الأمواج البشرية التي تتعالى أصواتها برفع التلبية والدموع المنهمرة في صورة إيمانية قلما تجد لها مثيلا عنوانها صدق العواطف حين تنشغل النفس بالابتهال والدعاء ومناجاة الرب عز وجل شوقاً للتقرب إليه بهذه العبادة الخالصة من أي رياء لتنعم بالمزيد من التربية الروحية والأخلاقية. حينما تلوح أمام أنظارهم مآذن المسجد الحرام والكعبة الشريفة ليمتد الشوق بهم إلى هناك حيث الجسد الطاهر ومثوى رسوله وروضته الشريفة وخطى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم. هذه ملامح مجتمعنا الإسلامي وأطياف الذكريات لازالت راسخة في أعماق النفوس الطاهرة لأبناء أمة الإسلام تختلج بدواخلنا تجددها مواسمنا الدينية ليأتي الحج الأكبر كأشهر هذه المواسم لتطبيق مُثل الإسلام وسماحته ونقاؤه في مدرسة الإيمان التي تزيدنا تمسكاً بهذه العقيدة الخالصة وهذه القيم الحضارية الفريدة بكل ما يمتلكنا من أحاسيس وصدق مشاعر في وقفة متأنية مع ضمائرنا تظلنا نسمات ربانية تفوح عطراً في رحلة إيمانية تشتاق إليها القلوب لا يهمها تعب الأجساد ورذاذ المطر حتى مع اشتداده وإن هطل وبرد شتائه وإن وجب وفي عرفات الله حيث تهفو الأفئدة على أرض هذا الصعيد الطيب في رجاء لا ينقطع ودعاء متصل حتى غروب شمس ذلك اليوم العظيم حيث تنسكب العبرات في تذلل وخشوع طلبا لعفوه وسعيا لكسب رضاه ليعودوا لبلدانهم مغفورا لهم حاملين بين جنباتهم أعذب الذكريات . ترنيمة : من شعر بدوي الجبل هنا الكعبة الزهراء والوحي والشذى هنا النور فافني في هواه وذوبي ويا مهجتي بين الحطيم وزمزم تركت دموعي شافعاً لذنوبي