لم يرق للصديق العربي الذي أمضى إجازة الصيف في الأرض المقدسة حديث رشا عن السلطان عبد الحميد، ففي رأي الصديق أن كل ما حل بالعالم العربي من مصائب مرده الاستعمار العثماني للأرض العربية وما صاحبه من تخلف وجهل بين العامة وهم الأغلبية. هنا انبرت والدة رشا للرد عليه بقولها إنه من الجهل بمكان أن نحكم على الأمور قبل الوقوف على ملابسات سقوط الخلافة العثمانية بتمعن وحياد تام ومن مصادر متعددة، فكتاب التاريخ غالباً ما ينقادون لعواطفهم فيحطون من قدر المنهزم في الحرب مع دولهم، وهذا ما نراه جلياً في معظم ما كتب عن الحربين العالميتين الأولى والثانية، فقد صورت ألمانيا والسلطنة العثمانية بشكل يتنافى وما كانا عليه قبل الهزيمة من عزة ومكانة. مضيفة بأن ارتباط السلطنة بألمانيا كان مثيراً لحنق وغضب الفرنسيين والإنجليز الذين اتفقوا سراً على تقاسم بلاد الشام، وعلى التخلص من يهود أوروبا بتحويلهم إلى فلسطين لتكون وطناً دينياً لهم، فتخرج القدس من أيدي المسلمين لتكون عاصمة صنيعتهم إسرائيل ، وعلى تفتيت العالم العربي إلى دويلات وطوائف وزعامات متنافرة على أمل القضاء على خلافة حافظت على وحدة المسلمين ومكانتهم كقوة عظمى لقرون عديدة . وفقد الإنجليز والفرنسيون ومعهم الروس أعصابهم عندما أقر السلطان عبد الحميد إنشاء سكة حديد بغداد برأسمال ألماني واعتبروا ذلك عملاً سهل لألمانيا دخول قائمة الدول المتنافسة على منطقة خليج البصرة الغنية بالبترول ، وكذلك تشييده سكة حديد الحجاز التي ربطت عاصمة الخلافة إستانبول بالمدينة المنورة مروراً بدمشق فاعتبرها الإنجليز تهديداً لمصالحهم في الشرق الأدنى، ورأى اليهود في تشييده تهديداً لمطامعهم في فلسطين. فاتخذوا كلهم موقفاً معادياً للخليفة وأخذت فكرة إسقاطه تكتسب ثقلاً كبيرًا في لندن وباريس، وكان لحزب الاتحاد والترقي الذي ظهر عام 1890 كحزب معارض دوره في تنفيذ مخطط الغرب ،حيث قرر أعضاؤه في اجتماعهم بباريس عام 1902 الذي سموه بمؤتمر الأحرار العثماني قرارات منها تأسيس إدارات محلية مستقلة على أساس القوميات، وهو ما يعني تمزيق الإمبراطورية العثمانية،ثم طالب المؤتمرون من الدول الأوروبية التدخل لإنهاء حكم السلطان عبد الحميد وإقصائه عن العرش، وكان ما نعرفه من التتريك وإرغام الأتراك على تقليد الغرب في لباسه وفي التحرر المنافي للعادات والتقاليد. أما عن الأمية والجهل بين العامة في البلدان العربية فيتحمل المسؤولية بالدرجة الأولى القائمون على دور العبادة من مساجد و كنائس حيث كانت دور العبادة وملحقاتها هي بديل المدارس ودور العلم. وختمت والدة رشا مداخلتها بترديد أبيات من رثاء السلطان عبد الحميد منها : عندما يذكر التاريخ اسمك ، يكون الحق في جانبك ومعك أيها السلطان العظيم، كنا نحن الذين افترينا دون حياء على أعظم سياسي العصر، قلنا: أن السلطان ظالم، وأن السلطان مجنون، قلنا لا بد من الثورة على السلطان. وختم والد رشا الحديث بقوله إن الخلفاء والقادة العرب، ومنذ العصر الأموي، ومروراً بالعصر العباسي، قد أغواهم المال والثراء، فمال معظمهم للهو والعبث، تاركين تسيير أمور الدولة لجنودهم من غير العرب، فما كان من هؤلاء إلا أن استأثروا بالحكم فقامت دول المماليك وتحكموا بالشعوب التي خضعت لهم، فكان ما كان من وضع ينطبق عليه قول الشاعر العربي: من يهن يسهل الهوان عليه ما لجرح بميت إيلام وهنا انطلق صوت رشا لتقول: ما أشبه اليوم بالبارحة، خرجنا من سيطرة المماليك لندخل سراديب القوى الطامعة بالوطن وما فيه من خيرات وثروات يسيل لها لعاب لاعبي هذه اللعبة السياسية من المتحكمين بمصير العالم. مدريد في 22 /10 /1430