قرأتُ ما كتبه د. عبد العزيز الصويغ، في عدد جريدة المدينة الصادر يوم السبت 15 رمضان 1430ه بعنوان "الأقربون أولى" وقد فهمتُ من ما كتبَ رغبة سيادته في توقف أهل الخير في مملكتنا الحبيبة في مدهم يد العون لإخوانهم المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، وقصر كل المساعدات على أبناء البلاد من الداخل الذين يعانون من البطالة، ومطالبته كذلك بإيقاف الوجبات التي تقدم مجانا لإفطار الصائمين وتسحيرهم وكذلك بالنسبة لتلك التي يقدمها المحسنون وأهل الخير لحجاج بيت الله الحرام..وتعليقا على ذلك ومناقشته أقول مستعينا بالله: إن ما طالب الدكتور عبد العزيز الصّويغ بتوقيفه وإلغائه وهو إطعام الحجاج وسقيهم، وإفطار الصائمين وتسحيرهم، هو طلبٌ غريب من مثله، لكونه كمن يطلب من آخرَ أن يخلع عن نفسه معالم الزينة التي يتجمّل بها بين الناس ليكون عاريا منها، فكون الله عزّ وجل يختارك ليأتمنك على بيته الحرام، ويضع مقاليد أمره بيديك، لهو شرفٌ يستدعي منك القيام بموجبات ذلك الشرف، التي من بينها : الرفادة، والوفادة، والسقاية.. والعجبُ تعمّق ذلك المفهوم لدى أهل مكة قديما حتى في جاهليتهم، ثم نجد اليوم من بيننا من ينادي بإلغاء ذلك وإيقافه بحجة أن ذلك مما يفقر أهل مكة ويضر بأرزاقهم، لقد كانت حِجابة بيت الله الحرام الشرف الذي لا يدانيه شرف، مثلما أنّ سِقاية الحاجّ الشرف الذي لا شرف آخر يُماثله، وكانت الأمنية التي لا أمنية أخرى تُضاهيها لدى أي مكّي قديما، أن تجتمع له السقاية والرفادة معا، لينهض بذلك الشرف من غير أن ينتظر جزاء أو شكورا إلاّ من ربّ البيت العتيق.. أو ليس إطلاق (هاشما) على جد الرسول صلى الله عليه وسلم، بسبب كونه على ما قيل : كان يهشم الخبز للحجاج لكي يُسهّل عليهم تناوله ؟ إنّ من يتأمّل بعين البصيرة، ما كانت عليه أحوال أرض الحرمين الشريفين، من حالات اضطراب الأمن والجوع والانقسام والخوف، التي كانت تعيشها قبل، أن يوفق الله عبده / عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل آل سعود رحمه الله بتوحيدها وبسط الأمن والأمان في ربوعها.. فمن يوفقه الله لتأمّل أوضاع أرض الحرمين الشريفين، قبل دخولها في رعاية الملك عبد العزيز وبعده، سيظهر له بجلاء، أنّ ما فجّره الله لذلك الملك الصالح من كنوز الأرض تحت أقدامه كان متزامنا، مع اتجاهه الجاد، ونيته الصادقة في أن يكون هو وذريته الخُدّام المتشرفين بخدمة الحرمين الشريفين، وهي الخدمة التي تستلزم خدمة ضيوف الرحمن، بتهيئة كلّ ما يلزمهم ويحتاجون إليه، من توفير الأمن، والغذاء، ووسائل السكن والمواصلات، والطرق المعبّدة، والتوسعات المستمرة التي تستدعيها الزيادات المضطردة لأعداد الحجاج والزوار والمعتمرين، فإن كنّا مؤهلين للنهوض بذلك الشرف والقيام به على الوجه الأكمل والأتم، أدام الله علينا فضله، ويسّر لنا القيام بالشرف بالشرف الذي اختارنا له، وهو خدمة ضيوف بيته الحرام، وزوّار مسجد رسوله صلى الله عليه وسلم، وإلاّ فإن الله الذي ليس بيننا وبينه نسبٌ.. قد أخبرنا في محكم تنزيله بذلك الخبر الذي يحمل التهديد الصادق وهو: {وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم، ثمّ لا يكونوا أمثالكم}. وأختم بسؤال الدكتور الصويغ، إن كان في علمه وجود دول وحكومات اليوم من حولنا اليوم، تتمنى أن تحظى بشرف إطعام الحجاج وسقايتهم، وبأي ثمن تبذله مقابل ذلك ؟.. ولكن أنّى لهم ذلك، وقد حكم سبحانه حكمه، وقسّم قسمته.. {ذلك فضل الله يُؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم}. [email protected]