تأثير ووقع بعض الكَلِمَ على نفس المتلقى يكون أحياناً أقوى وأبلغ من خُطب ومحاضرات بما فيها من عظات وتوجيهات ذلك أن للكلمة في بساطتها وصدق معناها سِحراً يأخذ بمجامع القلوب ويفتح مسامع العقول ، فيتغير حال المتلقى مثل حال ذلك اليهودي الرث الثياب والذي تغير حاله عندما لقى الحافظ بن حجر العسقلاني يرحمه الله وكان وقتها رئيساً للقضاة حيث كان ماراً ذات يوم بالسوق في موكب عظيم وهيئة حسنة وجميلة وكان راكباً على بغلته، حين هجم عليه يهودي يعمل" زيّاتاً" وأثوابه ملطّخة بالزيت ، فقبض اليهودي على لجام البغلة وقال : "يا شيخ الإسلام ، تزعم أن نبيكم قد قال: الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر " فأيُ سجن أنت فيه ؟ وأيُّ جنة أنا فيها؟" فقال له الحافظ في كلمات مؤثرات: "أنا بالنسبة لما أعدّ الله لي في الآخرة من النعيم كأني في سجن، وأنت بالنسبة لما أعد الله لك من النكال والعذاب المهين كأنك الآن في جنة " فما كان من اليهودي بعدما سمع تلكم الكلمات تبدّل حاله وأعلن إسلامه جراء وقع ذلك المعنى الفصيح البليغ الذي أعطى الصورة الكاملة ولخصها في إيجاز فوقعت برداً وسلاماً على قلبه وعقله . وما أحرانا أن نحرص ونبذل مع كل من نعرف بأن نتحدث لهم بأسلوب الحكمة الوجيز السهل الذي يلامس القلوب الصم فيفتح مسامعها ويأخذ بالألباب ولعل العبرة التي نأخذها أيضاً من هذا الكلام المفيد أن الإسلام يحث على حسن المظهر والهيئة ومراعاة النظافة الحسية البدنية والسلوكية والمعنوية اللفظية . وفي نفس النسق يُذكر أن "بِشر الحافي" يرحمه الله ، كان كبير الشأن ومن أغني أغنياء بغداد , وكان كثير اللهو ، فحدث أن مرّ يوماً أحد الصالحين من أمام بيته ، فسمح أصوات اللهو تنبعث من بيت "بشر" وتملأ المكان فطرق هذا الشيخ الباب فخرجت له جارية فسألها : لمن هذه الدار فقالت له لفلان فسألها ثانية هل هو عبد أم حُر ؟ فأجابته بتعجب شديد : بل هو حُر فقال لها كلمات قوية لم تعبأ بمعناها تلك الجارية : " أجل هو حُر ولو كان عبداً لخاف من سيده !! " ومشى إلى سبيله فلما دخلت الجارية سألها "بشر" من كان بالباب فقالت رجل يسأل هل صاحب هذه الدار حُراً أم عبداً فسألها وبما أجبته ؟ فقالت :" قلت له هو حُر يا سيدي فقال لي صدقتِ ولو كان عبداً لما عصى سيده " فما كان من بشر إلا أن هبّ كمن صُعق من وقع هذه الكلمات وأخذ يجري وراء ذلك الشيخ ويصيح : بل أنا عبد يا سيدي أنا عبد أنا عبد فتاب بعدها وزهد في الحياة الدنيا وأنكب ينهل من معين العلم والقرآن ولله الحمد ، وسببها كلمات بسيطة وقعت على نفسه والحمد الذي قدّر فهدى