قال الله تعالى : ( واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً وبذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب . . . ) النساء 36 وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره " . وقال: " لا زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه " . وقال أيضاً : " والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن ! قيل: من يا رسول الله ؟ قال : من لا يأمن جاره بوائقه " . أي شروره وأذاه . فنفى عنه كمال الإيمان بسبب أذيته لجاره ، إلى غير ذلك مما ورد في الحق العظيم حق الجوار . ورد في وفيات الأعيان أن الإمام أبا حنيفة النعمان بن ثابت رحمه الله كان له جار إسكافي يعمل نهاره، فإذا رجع إلى منزله ليلاً تعشى ثم شرب، فإذا دب الشراب فيه أنشد يغني، ويقول متمثلاً بقول العرجي: أضاعوني وأيَّ فتى أضاعوا ليوم كريهة وسداد ثغر ولا يزال يشرب ويردد هذا البيت حتى يأخذه النوم، وأبو حنيفة يسمع جلبته في كل يوم ويصبر. وفي يوم كان أبو حنيفة يصلي بالليل كله، ففقد أبو حنيفة صوته، فسأل عنه، فقيل: أخذه العسة منذ ليالٍ، فصلى أبو حنيفة الفجر من غده، ثم ركب بغلته وأتى دار الأمير، فاستأذن عليه، فقال: ائذنوا له، وأقبلوا به راكباً، ولا تدعوه ينزل حتى يطأ البساط؛ ففعل به ذلك، فوسع له الأمير من مجلسه، وقال له: ما حاجتك؟ فشفع في جاره، فقال الأمير: أطلقوه وكل من أخذ في تلك الليلة إلى يومناً هذا؛ فأطلقوهم أيضاً، فذهبوا وركب أبو حنيفة بغلته، وخرج الإسكافي معه يمشي وراءه، فقال له أبو حنيفة: يا فتى هل أضعناك؟ فقال: بل حفظت ورعيت، فجزاك الله خيراً عن حرمة الجوار. ثم تاب، ولم يعد إلى ما كان يفعل، بسبب هذه المعاملة الكريمة ومقابلة الإساءة بالإحسان. جئنا بدين قيم ما مثله *** حفظ الحقوق لأهلها بأمان وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم خير من يحفظ حقوق الجوار فقد كان له جار يهودي وكان يؤذيه فمرض اليهودي فافتقده الرسول عليه الصلاة والسلام فزاره فوجده مريضاً ثم عرض عليه الإسلام فنظر اليهودي إلى والده كأنه يستشيره فقال له أبوه: أطع أبا القاسم فأسلم فلما خرج من عنده رسول الله توفي اليهودي فقال عليه الصلاة والسلام :" الحمد لله الذي أنقذه بي من النار " . إن حق الجار عظيم عظيم ، ومن أعظم حقوق الجار : إعانته على الخير وتحذيره من الشر ، والجار دليل على أخلاق جاره روي أن رجلا شهد عند الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال عمر: لا أعرفك ائتني بمن يعرفك، فقال رجل أنا أعرفه يا أمير المؤمنين فقال عمر: هل جاورته فعرفت مدخله ومخرجه، قال: لا، قال: هل عاملته بالدينار والدرهم فعرفت صدقه وأمانته ؟ قال: لا، قال: فهل سافرت معه فعرفت أخلاقه، قال: لا، فقال عمر: ما تعرف الرجل، ثم التفت إلى الرجل الشاهد وقال ائتني بمن يعرفك . ومن حقوق الجار الفرح لفرحه والحزن لحزنه والوقوف معه ومساعدته وحبه ونفعه ومشاركته كل أمور حياته . قيل يا رسول الله إن فلانة صوّامة قوّامة لكنها تؤذي جيرانها ! قال : هي في النار . قيل وفلانة ليست كثيرة صلاة ولا صيام – أي النوافل – لكنها تحسن إلى جيرانها قال : هي في الجنة . فكم ضاعت من حقوق كثيرة ، وواجبات عظيمة عند كثير من جيران اليوم ، فما أحوج الأمة اليوم إلى الحرص على أداء الحقوق والقيام بالواجب خير قيام ، والحرص على كل مامن شأنه وحدة الأمة وتكاتفها وتآلفها وتقاربها ونبذ الخلاف والشتات والفرقة . عبد الله عوبدان - شرورة