كلٌ منا يملك في ذاكرته صور أحداث مرت في حياته، وكلما تقادم بنا الزمن ازدادت الذاكرة ثراءً. ويتفاوت الناس في أهمية صور ذاكرتهم، فمنهم من تكون ذاكرته محشوة بأحداث فردية خاصة لايتجاوز تأثيرها عالمه الضيق ومنهم من يمتلك ذاكرة شخصية هي ذاكرة وطن لما له من موقع في الحياة السياسية والثقافية. ومن الصعوبة بمكان أن تمنع أحداً من أن يحول ذاكرته إلى حديث يسرده أمام الآخرين، وخاصة ذلك الصنف من الناس الذي لم يعد لوجوده من معنى إلا فيما يختزنه من ذكريات. فيحول ذكرياته إلى وسيلة تأكيد الذات وحضورها ومن أجل أن يزيد من حضورها يغنيها بخيال خصب. والناس يُقبلون على قراءة مذكرات النخب المهمة سواء كانوا متعاطفين معها أم كارهين لها. ففيها قد يجدون أجوبة عن أسئلة تحيرهم، أو يستمتعون بالنص، أو يستفيدون عبرة من هنا وعبرة من هناك. عند هذا الحد يكون الأمر طبيعياً. لكن تأمل أيها القارئ أن تكون مجبراً على سماع شخص يسرد لك ذكرياته الشخصية ويسرد لك أسماء لاقيمة لها، ولاتعرف عنها شيئاً، وحوادث لاتعنيك من بعيد أو قريب، وبطولات قام بها، وأقوالاً تفوه بها كانت حاسمة، تخيل وضعك المأساوي وأنت بكل لطف لاتريد أن تجرحه وتستمع إليه أو توحي له بالاستماع وهو لا يتوقف لأخذ شهيق أو زفير. وأثقل الظلال ظل شخص مر بزمانه في حالة سلطة محدودة ومتوسطة لا قيمة لها بأحداث الوطن. ولم يمكث فيها إلا بضع سنين تجاوز عددها عدد أصابع اليد. فيحدثك عما قاله في الاجتماع وكيف رد على فلان الذي لاندري عنه شيئاً وكيف تحدى فلاناً وكيف أفحم فلان وكيف تفوق على فلاناً وكيف أحب فلانة وكيف هجرها بعد ذلك، وعمن لقيه في الطريق إلى المكتب، وعمن زاره في المساء وعمن وجد عنده من لفيف، وكيف تجرأ ونقد من كان في موقع أهم من موقعه وهكذا.. يمج سيجارته ويتحدث ثم يشعل أخرى وكأن السامع آلة لتسجيل مايتفوه به هذا الشخص. لاشك أن الذكريات جميلة، ولكنها جميلة بالنسبة إلى صاحبها فقط.أو هي جميلة في سردها اذا كان السرد بين صديقين حميمين نسجا ذكرياتهما معاً ويستعيدانها بنوع من الحنين. أما ذكريات الآخر التي لاتعنيني فمالي ومالها. عن الثورة السورية