قديماً كانوا يقولون " الوقت كالسيف " واليوم البعض يقول "السيف كالوقت" و"البرق كالوقت" .. يقدمون السيف في حدة حده , والبرق في سرعة خطفه .. حيث غلب على الكثير منا وضع التفسير المناسب لهذا التعاقب والتسارع الزمني الرهيب المهيب .. وفي وسط زحمة هذه الحياة نجد أن من محفزات الهمم وشحذها "الطموح" والأمل الذي يكون لدى الطامحين .. الذين لا يشغلهم عن بلوغ هممهم وتحقيق آمالهم شاغل أو حتى عامل الوقت .. فلا هم يقعدون أو يفترون عن إنجازاتهم وسعيهم الدءوب لتحقيق غاياتهم بل تراهم يساهمون ويبدعون في العديد من المجالات العلمية والعملية مهما كانت مهنهم وتخصصاتهم . الأمر الذي يجعلنا نتساءل ما بال بعضنا يفتر في المشاركة في العديد من المجالات ويتعلل بعامل الوقت الذي لا يكفي أو بتباعد المسافات .. الأمر الذي يجعلنا نقف وقفة صادقة من أجل تحفيز أبنائنا وأجيالنا للحرص على استغلال وقتهم وتنمية ذلك في نفوسهم وداخل وجدانهم. وعلى سبيل المثال ما الذي يجعل العديد من العلماء والمسئولين على اختلاف وظائفهم وتخصصاتهم يبدعون في العديد من المجالات والميادين التي يشاركون فيها ؟ وعلى سبيل كيف بدكتور وأستاذ في علم الكيمياء يثب من خلال معمله ومن بين الأنابيب والمحاليل، ليكون أديباً وصاحب أسلوب أدبي مميز بل ويختار عضواً في مجمع اللغة العربية ويرأس تحرير العديد من المجلات مثل الدكتور "أحمد زكي" يرحمه الله والذي مزج بين العلم والأدب ومن أين أتى بالوقت الكافي لكل تلك الأعمال الهامة في حين يشكو الكثيرين منا قلة الوقت للوفاء بالتزاماتهم العائلية وكثير ما هي مهما حرصوا إلى جانب أعمالهم ووظائفهم .. لقد ذكر الشيخ على الطنطاوي يرحمه الله من باب ضرورة الجد والحث على السعي واستغلال الوقت أن أبا حرب ابن أبي الأسود الدؤلي كان قد قعد عن الكسب والعمل ظنًا منه أن الرزق يأتيه إلى حيث قعد .. فقال له أبوه أبياتا من الشعر، منها: وما طَلَبُ المَعيشَةِ بِالتّمَنّي وَلكِنْ أَلْقِ دَلْوَكَ في الدّلاءِ تَجِئك بِمائِها يِوْماً وَيَوْماً ُ تَجِئْكَ بِحَمأَةٍ وَقليلِ ماءِ وربما اقتبس الشاعر أحمد شوقي نفس المعنى عندما قال في إحدى قصائده : وَما نَيْلُ المَطالِبِ بِالتّمَنّي ُ وَلكِنْ تُؤْخَذُ الدّنْيا غِلابا لقد كان الدكتور أحمد زكي يرحمه الله نموذجاً فريداً على الرغم من الأعباء والمسئوليات الكبيرة الملقاة على عاتقه كأستاذ في علم الكيمياء ومسؤولياته الكبيرة ، وكرئيس لتحرير مجلة مثل العربي ، وكأديب وكاتب مرموق .. إلا أنه لم ينقطع عن الكتابة في كبريات الصحف والمجلات مثل مجلة الهلال والرسالة وغيرها ، فكتب عن تاريخ العلم وقصص الاختراع والمخترعين، والنظريات العلمية، وترجم بعض الآثار العلمية الأوروبية، فنشر على صفحات مجلة الرسالة كتباً عديدة، كما برزت قدراته على التعبير الرصين وتمكنه من اللغة العربية وبراعته في التصوير المحكم في ترجمته لاثنين من عيون الأدب الغربي وعن مدى تمكنه من العربية وبراعته في التصوير المحكم . لقد أسندت إليه رئاسة تحرير" مجلة العربي " الكويتية الرائعة وصدر أول عدد لها في عام 1958م وكان أثره في كل صفحة من صفحاتها حيث كان وراء نجاحها وكانت مجلة العربي ذلك الميدان الرحب الذي أعطى فيه كل خبراته وفكره وعلمه. وقد نشر الدكتور أحمد زكي على صفحات مجلة العربي سلسلة مقالات ممتعة عديدة منها " وحدة الله تتراءى في وحدة خلقه.". و"قدرة الله تتجلى في بديع صنعه " ، "ومع الله في السماء " و"في سبيل موسوعة علمية" وهي تعد من خير ما كُتب بالعربية في هذا المجال، وقد استمرت فترة رئاسته لمجلة العربي سبعة عشر عاما حتى وفاته في عام 1975م وتضم "في سبيل موسوعة علمية" مجموعة مقالات فى العلم والطب والحياة وأعماق البحار والحشرات وأنواعها وطعام الإنسان والألوان والحرارة والنار والأرض والكون والفضاء والطاقة الذرية ونجوم السماء كما تحتوي على صور إيضاحية موضحة للمادة التي تحويها الموسوعة .. فمن أين إذن لهذا الرجل العبقري بالوقت والزمن اللهم إلا الطموح وصدق العزيمة واستغلال الوقت الاستغلال الأمثل. إذن عزيزي القارئ هذا نموذج فريد .. فلا يهم إن لم يك الوقت لديك كافياً .. فتحفيز طموحك كافياً وينبغي علينا أن نلقي دلونا في الدلاء ونأخذ بالأسباب ، ولا نشكو ونتذرع بتسارع عقارب ساعة هذا الزمن .. وعلى الله قصد السبيل . [email protected]